4 – أنَّ القول المذكور يستلزم اختلاف المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده، فيكون الحديث حجة في حقِّ الصحابي، باطلاً مردودًا في حق من بعده، فالصحابي الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - حَصَل له اليقين بما سَمِع، واعتقد ذلك عن يقين.
ومن جاء بعده فلم يقبل قول هذا الصحابي؛ لكونه حديث آحاد لا يرى هذا الاعتقاد ويرده، وما ثبت تواتُرًا في زمن التابعين، ولم يثبت بعدهم متواترًا اختلف الاعتقاد بين الزمنين .. وهكذا.
ومن لوازم ذلك أن حديث الصحابي كان صدقًا وحجة في حق الصحابي، ويعد باطلاً ومردودًا في أزمان بعده.
ومِن لوَازِم ذلك رَدّ كلِّ ما رواه الصحابة مباشرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمور الاعتقاد، إذا لم ينقل عنهم متواترًا، ويبقى إثبات ما كان فيها من اعتقادات أخَذَهَا الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - كأفراد على وصول عقول المتكلمين إلى إدراكها وإثباتها.
5 – أن القول المذكور من لوازمه أن لا يُكْتَفَى بإخبار الوَاحِد من علماء الحديث، بأن هذا الحديث مُتواتِر، إذ إنه خبره عن تواتر الحديث خبر آحاد لا يُحْتَجّ به؛ أي أنه لا يحتج إلا بما شَهِد بتواتره جميع الناس، لا واحد أو قِلة من أهل الاختصاص، ومثل هذا لا يتيسر لكل أحد أن يثبت شهادة الجميع بتواتر الحديث، إما لنقص العلم عنده، أو لعدم الاطلاع على كتب أكثر أهل الحديث.
ويزيد الأمر غرابةً أنَّ هؤلاء المتكلمينَ أبعد الناس عن تعلم الحديث، ومُطَالَعة كُتُبِ علمائه، وبضاعتهم فيه مزجاة، ويفوتهم من أقوال المحدثين الكثير والكثير [9] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn9).
وأعجب من ذلك: ذمهم للتقليد في أمور العقيدة، وهم في علم الحديث لا يملكون إلا التقليد فيه.
6 – فإن قيل: حديث الآحاد يفيد الظن، ويحتمل الخطأ فيه، عمدًا أو سهوًا، أو بعدم ضبط في النقل ونحوه، وما كان هذا صفته لا تؤخذ منه عقائد. فوجب ترك العمل بحديث الآحاد لذلك. والجواب: هذا مردود من وجهينِ:
الأول: إجْمَاع السلف على قَبول أحاديث الآحاد في العقائد، وإثبات صفات الرب تعالى، والأمور الغيبية العلمية بها.
الثاني: هذا الادِّعاء يُوجِب أيضًا طَرح العمل بأحاديث الآحاد في الأحكام، والفرعيات لنفس العلة، وهذا باطل؛ فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا هذا، فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها، جاز عليهم ذلك في نقل غيرها، وحينئذ فلا وثوق بشيء نُقِل لنا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهذا انسلاخ من الدين.
قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها؛ كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطَّلَبِيَّة بها، فما الفرق بين باب الطَّلَب وباب الخبر، بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر، وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة، فإنها لم تَزَل تحتج بهذه الأحاديث في الخَبَرِيَّات، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات، ولا سيما الأحكام العملية: تتضمَّن الخبر عن الله بأنه شَرَّع كذا، وأوجبه ورضيه دينًا، فشرعه ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته، ولم تزل الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، وأهل الحديث، والسنة، يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات، والقدر، والأسماء، والأحكام، ولم ينقل عن أحد منهم ألبتة أنه جَوَّز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته، فأين سلف المفرقين بين البابين؟
نعم سلفهم بعض مُتأخِّري المتكلمين، الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه؛ بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، ويحيلون على آراء المتكلمين، وقواعد المتكلفين، فهم الذين يعرف عنهم التفريق بين الأمرينِ، وادعوا الإجماع على هذا التفريق، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعًا عن إمام من أئمة المسلمين، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، وهذا عادة أهل الكلام، يحكون الإجماع على ما لم يقله أحد من أئمة المسلمين؛ بل أئمة المسلمين على خلافه. اهـ[10] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2026#_ftn10).
7 – أن مآل الأَخْذ بهذا القول، هو الاقْتِصار في العقيدة على ما جاء به القرآن، وترك العمل في العقائد بالأحاديث النبوية، وعدم الاعْتِداد بما جاء فيها من الأمور الغَيْبِيَّة.
¥