يقول القاضي عياض رحمه الله: اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدّعياً، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، وإتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: ((إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)) (آل عمران:31) [6].
كما أن من متابعته صلى الله عليه وسلم التمسك بسنته والحذر من الابتداع في دين الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) [7].
يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث: فهذا الحديث يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره ها هنا دينه وشرعه، فالمعنى إذاً: أن مَن كان عمله خارجاً عن الشرع ليس متقيداً بالشرع فهو مردود [8].
4 - ومن حقه صلى الله عليه وسلم: أن الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: ((وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ)) (الفتح:9).
يقول ابن تيمية رحمه الله: التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار [9].
ويقول أيضاً: أما انتهاك عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه منافٍ لدين الله بالكلية العرض متى انتُهك سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطَل الدين، فقيام المدحة والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإذا كان كذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه [10].
وقد قال الله تعالى: ((إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)) (الكوثر:3).
فأخبر سبحانه أن شانئه (مبغضه) هو الأبتر، والبتر: القطع، فبيَّن سبحانه أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد ..
ومما قال ابن تيمية عن هذه الآية الكريمة الجامعة: إن الله سبحانه - بتر شانئ رسوله من كل خير، فيبتر ذكره وأهله وماله، ذلك في الآخرة، ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحاً لمعاد، ويبتر قلبه فلا يعي الخير، ولا يؤهله لمعرفته ومحبته، والإيمان برسله، ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة، ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً ولا عوناً، ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة، فلا يذوق لها طعماً، ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها.
وقال أبو بكر بن عياش: أهل السنة يموتون ويحيى ذكرهم،وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله: ((ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)) (الشرح:4).
وأهل البدعة شَنَأُوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب قوله: ((إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)) (11،12).
5 - ولقد تحققت العقوبات، ووقعت المثُلات في حق مَن أبغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو تنقصَّه بسب أو استهزاء، أو افتراء.
وقد عرف من ذلك حالات عديدة منها:
* من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه.
* ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية عن أعداد من المسلمين العدول في الفقه والخبرة، عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس، فإذا تعرَّض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه، فعجلنا، وتيسر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، حتى إن كنا لَنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه [11].
¥