[ادخل لا تفتك:موعظة بليغة، مثل الدنيا من الميمية، شرح العلامة العثيمين.]
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[22 - 02 - 08, 11:10 م]ـ
مثل هذه الحياة الدنيا من القصيدة الميمية لابن القيم – رحمه الله تعالى – شرح الشيخ العلامة ابن عثيمين:
ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها ** رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ
كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى الْ ** ـمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ
وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها ** سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها ** فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ ** وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ
كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ ** ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها ** غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ
أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ ** وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ
أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ ** إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ
فيا عجبًا! كمْ مَصْرَعٍ وَعَظَتْ بِهِ ** بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا
سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا ** سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ
و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه الْ ** ـعَظائِمِ والمغرورُ فيها مُتَيَّمُ
وما ذاك إلا أنَّ خمرةَ حُبِّها ** لَتَسْلِبُ عقلَ المرءِ منه وتَصْلِمُ
وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى ** تُهينُ ولِلأَعْدَا تُراعِي وتُكْرِمُ
وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها ** جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ و أَلْأَمُ
وحَسْبُكَ ما قال الرسولُ مُمَثِّلا ** لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ
كما يُدلِيَ الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا ** ويَنْزِعهُا عنه فما ذاكَ يَغْنَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها ** رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ
كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى الْ ** ـمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ
وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها ** سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها ** فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ ** وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ
كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ ** ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
قال الشارح:
الله أكبر، هذه هي حال الدنيا شبهها المؤلف بعدة أمثلة، " كحلم بطيف زار في النوم وانقضَى الْمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ، الطيف: ما يطوف بالإنسان بالنوم مما يحبه من إنسان أو حيوان أو غيره.
إنسان رأى في المنام شيئا أحبه أيا كان من بشر أو غيره، ثم انقضى النوم، وقلبه معلق بما رأى، لكن أنّى له ذلك؟!
هكذا الدنيا كأنها أحلام نائم، وأنت الآن إذا تدبرت الأمر، تدبر لما كنت صغيرا مع زملائك في السوق، تفرح وتمرح، ولا تذكر شيئا؛ تذكر من عندك في البيت أين ذهبوا، وأين راحوا، تذكر كل ما مضى، تجد كأنه كالحلم، راح وكأنه لم يكن، كأنها أحلام رأيتها في البارحة، أو في أقرب نومة نمتها وذهبت.
اعتبر المستقبل بالماضي، هذا المستقبل الذي تراه أمامك وكأنه آلاف السنين! كأنك ستبقى آلاف السنين، هذا سوف يزول كما زال ما مضى {كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها}، {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار}.
هكذا الدنيا.
كذلك أيضا كظل أرتْهُ (نسخة الشيخ: أرته) الشمسُ عند طلوعِها سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ، سيقلِص أو سيُقلص؛ الظل طيب وبارد ولذيذ، تريه الشمس إذا طلعت، ثم كلما هو ينقص، عند الزوال يضمحل ويزول، هكذا أيضا الدنيا، عند الزوال تزول!، دار كهذه هل يليق بالعاقل فضلا عن المؤمن أن يجعلها في قلبه أغلى من دار البقاء، الجواب: لا والله ما يليق بعاقل فضلا عن مؤمن أن يجعلها في قلبه أغلى من دار البقاء، أو ينظر إليها نظرة راغب فيها زاهد في الآخرة، لأنه يرى أمه وأباه وأخته وأخاه وولده وزوجه كلهم كانوا معه على ظهر هذه الدنيا، ثم زالوا وراحوا، ودَّعوا، خلصوا من الدنيا، ما بقي إلا الجزاء فقط، كأن لم يكونوا على هذه الدنيا، بينما يُرى الإنسان منها مخبِرا، حتى يُرى خبرا من الأخبار، وفي
¥