قال الماوردى في الاحكام السلطانية إذا لحق القبر سيل أو نداوة قال أبو عبد الله الزبيري يجوز نقله ومنعه غيره قلت قول الزبيري أصح فقد ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما " أنه دفن أباه يوم أحد مع رجل آخر في قبر قال ثم لم تطب نفسي إن أتركه مع آخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هيئة غير اذنه " وفى رواية للبخاري أيضا " اخرجته فجعلته في قبر علي حدة وذكر ابن قتيبة في المعارف وغيره ان طلحة بن عبد الله أحد العشرة رضي الله عنهم دفن فرأنه بنته عائشة بعد دفنه بثلاثين سنة في المنام فشكا إليها النز فأمرت به فاستخرج طريا فدفن في داره بالبصرة قال غيره قال الراوى كانى انظر إلى الكافور في عينيه لم يتغير إلا عقيصته فمالت عن موضعها وأخضر شقه. المجموع - (ج 5 / ص 303)
فالأصل هو عدم جواز نبش القبر، لما في ذلك من الانتهاك لحرمة الميت التي يجب أن تحفظ وتصان عن الامتهان، إلا أن أهل العلم قد أجازوا ذلك في حالتين: حالة لضرورة، وحالة ما إذا لم يبق للميت أثر من عظم أو نحوه،
القصة الثانية: نوحا صلى الله عليه و سلم على فراش الموت
عن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال الا ان صاحبكم هذا قد وضع كل فارس بن فارس قال يريد أن يضع كل فارس بن فارس ويرفع كل راع بن راع قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمجامع جبته وقال ألا أرى عليك لباس من لا يعقل ثم قال ان نبي الله نوحا صلى الله عليه و سلم لما حضرته الوفاة قال لابنه اني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله الا الله في كفة رجحت بهن لا إله الا الله ولو ان السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله الا الله وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق وأنهاك عن الشرك والكبر قال قلت أو قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر قال أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان قال لا قال هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها قال لا قال الكبر هو ان يكون لأحدنا دابة يركبها قال لا قال أفهو ان يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه قال لا قيل يا رسول الله فما الكبر قال سفه الحق وغمص الناس.
التخريج:
رواه أحمد بن حنبل في المسند (2/ 169) 6583
العبرة:
جامع الأحاديث - (ج 9 / ص 79):ومن غريب الحديث: "سيجان": مفردها: ساج وهو الطيلسان الأخضر.
قال الألباني في السلسلة الصحيحة - (ج 1 / ص 133)
غريب الحديث: (مبهمة) أي محرمة مغلقة كما يدل عليه السياق. و لم يورد هذه اللفظة من الحديث ابن الأثير في " النهاية " و لا الشيخ محمد طاهر الهندي في " مجمع بحار الأنوار " و هي من شرطهما.
(قصمتهن). و في رواية (فصمتهن) بالفاء. قال ابن الأثير: " القصم: كسر الشيء و إبانته، و بالفاء كسره من غير إبانة ".
قلت: فهو بالفاء أليق بالمعنى. و الله أعلم.
(سفه الحق) أي جهله، و الاستحفاف به، و أن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان و الرزانة. و في حديث لمسلم: " بطر الحق ". و المعنى واحد.
(غمص الناس) أي احتقارهم و الطعن فيهم و الاستخفاف بهم.
و في الحديث الآخر: " غمط الناس " و المعنى واحد أيضا.
فوائد الحديث:قلت: و فيه فوائد كثيرة، اكتفي بالإشارة إلى بعضها:1 - مشروعية الوصية عند الوفاة.
2 - فضيلة التهليل و التسبيح، و أنها سبب رزق الخلق.
3 - و أن الميزان يوم القيامة حق ثابت و له كفتان، و هو من عقائد أهل السنة خلافا للمعتزلة و أتباعهم في العصر الحاضر ممن لا يعتقد ما ثبت من العقائد في الأحاديث الصحيحة، بزعم أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين، و قد بينت بطلان هذا الزعم في كتابي " مع الأستاذ الطنطاوي " يسر الله إتمامه.
4 - و أن الأرضين سبع كالسماوات. و فيه أحاديث كثيرة في الصحيحين و غيرهما، و لعلنا نتفرغ لنتبعها و تخريجها. و يشهد لها قول الله تبارك و تعالى:
(خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن) أي في الخلق و العدد. فلا تلتفت إلى من يفسرها بما يؤول إلى نفي المثلية في العدد أيضا اغترارا بما وصل إليه علم
¥