ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِى الْجُمُعَةِ». قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا». قَالَ قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ وَاقْرَأْ فِى كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً».
فَلَيْتَنِى قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَذَاكَ أَنِّى كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَالَّذِى يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِى ثَلاَثٍ وَفِى خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ.)
قال الحافظ في الفتح:
"قَوْله: (لَمْ يَطَأ لَنَا فِرَاشًا)
أَيْ لَمْ يُضَاجِعنَا حَتَّى يَطَأ فِرَاشنَا.
قَوْله: (وَلَمْ يُفَتِّش لَنَا كَنَفًا)
هُوَ السِّتْر وَالْجَانِب، وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الْكِنَايَة عَنْ عَدَم جِمَاعه لَهَا.
قَوْله: (فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ)
أَيْ عَلَى عَمْرو
(ذَكَرَ ذَلِكَ للنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَكَأَنَّهُ تَأَنَّى فِي شَكْوَاهُ رَجَاء أَنْ يَتَدَارَك، فَلَمَّا تَمَادَى عَلَى حَاله خَشِيَ أَنْ يَلْحَقهُ إِثْم بِتَضْيِيعِ حَقّ الزَّوْجَة فَشَكَاهُ.
وعند أحمد في المسند:
عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: زَوَّجَنِي أَبِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيَّ جَعَلْتُ لَا أَنْحَاشُ لَهَا مِمَّا بِي مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ قَالَتْ خَيْرَ الرِّجَالِ أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشًا فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَعَذَمَنِي وَعَضَّنِي بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ فَعَضَلْتَهَا وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَانِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي أَتَصُومُ النَّهَارَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي قَالَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِمَّا حُصَيْنٌ وَإِمَّا مُغِيرَةُ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ قَالَ صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ إِنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَهُوَ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ قَالَ حُصَيْنٌ فِي حَدِيثِهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو حَيْثُ ضَعُفَ وَكَبِرَ يَصُومُ الْأَيَّامَ كَذَلِكَ يَصِلُ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ ثُمَّ يُفْطِرُ بِعَدِّ تِلْكَ الْأَيَّامِ قَالَ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ حِزْبِهِ كَذَلِكَ يَزِيدُ أَحْيَانًا وَيَنْقُصُ أَحْيَانًا غَيْرَ أَنَّهُ يُوفِي الْعَدَدَ إِمَّا فِي سَبْعٍ وَإِمَّا فِي ثَلَاثٍ قَالَ ثُمَّ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ لَأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ أَوْ عَدَلَ لَكِنِّي فَارَقْتُهُ عَلَى أَمْرٍ أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَهُ إِلَى غَيْرِهِ (رواه أحمد في 6477) قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين
(*) الشرة: النشاط والرغبة
(*) الفترة: الكسل والضعف
قال أبو جعفر [الطبري]:
(فطلبنا معنى هذه الشرة المذكورة في هذه الآثار ما هو فوجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال ثنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال ذكر الاجتهاد فقيل تلك حدة الإسلام وشرته ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد هدي ومن كانت فترته إلى بدعة أو ضلالة فقد ضل قال أبو جعفر فوقفنا بذلك على أنها هي الحدة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عز وجل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب منهم فيها ما دون الحدة التي لا بد لهم من التقصير عنها والخروج منها إلى غيرها وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه ولزومهم إياه حتى يلقوا ربهم عز وجل عليه وروي عنه صلى الله عليه وسلم في كشف ذلك المعنى أنه أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وقد ذكرنا ذلك وما قد روي في غير هذا الموضع مما قد تقدم منا في كتابنا هذا فغنينا بذلك عن إعادته والله نسأله التوفيق)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إعداد:
أبي معاذ زياد محمد الجابري
¥