تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عباد الله والذي حمل المشركين والمنافقين على بغض الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والاستهزاء به، أنه نهاهم عن الشرك في عبادة الله عز وجل، وما زال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون، إذا دعوهم إلى التوحيد لما في أنفسهم من عظيم الشرك، وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك لما عنده من الشرك.

وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعاد نصرانياً، وكان يقول لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذه عقوبة لما قاله وأنه كان كاذباً، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وإن الله لمنتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه، ومظهر لدينه وكذب الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد.

ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول، أهل الفقه والخبرة، عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين، ملحمة عظيمة، قالوا حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، من امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه، وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات، أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عباده المؤمنين. وقال في موضع آخر: وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة.

وقد قال أصدق القائلين سبحانه مبيناً تكلفه بكفاية شر هؤلاء: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. فما أوسع البون بين أهل الإسلام الأتقياء الأنقياء الذين يؤمنون بجميع الرسل ويعظمونهم ويوقرونهم وبين غيرهم الذين ناصبوا رسلهم العداء قديما وحديثاً، وورثوه كابراً عن كابر من اليهود والنصارى.

عباد الله إن من سنة الله تعالى فيمن يؤذي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة، والحوادث التي تشير إلى هذا في السيرة النبوية وبعد عهد النبوة كثيرة قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} وقد كتب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى كسرى وقيصر، وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأكرم رسوله، فثبت ملكه.

قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم: فيقال إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، ولا يزال الملك يتوارث في بعض بلادهم، وأما كسرى فمزق كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واستهزأ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق، فلم يبق للأكاسرة ملك، وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما انتهاك عرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير