أجمع العلماء على تفرد الأب بنفقة أولاده، ولاتشاركه فيها الأُم، بل قد نَصَّ أهل العلم رحمهم الله على أن الزوج إذا أُعسر بنفقة زوجته فإنها تُمكِّن من فِرَاقِه. «زاد المعاد 5/ 490 - 522».
والزوجة لا يجب عليها شيء من النفقة على نفسها أوبيتها أو أولادها، فالزوج هو المكلف بذلك، قال الله جل وعلا: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} «النساء: 34».
فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل، لفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وبالنظر إلى ماكُلف به من النفقة. وهذه النفقة مقدرة بحسب حال كل من الزوجين بالمعروف، فيجب أن ينفق بقدر ماينفق مثلُه على مثلِها بالمعروف.
كل ذلك وغيره كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال ماتشرف به على ذلك المحضن ومافيه من فراخ زغب، وبما يمكنها معه أن تهيئ نظام البيت وعطره وعبقه وبشاشته.
ثالثاً: أجرة العمل ومرتب الوظيفة حقٌ خالص لمن قام به:
لا ريب أن الأجرة التي تأخذها المرأة عما تقوم به من عمل مشروع إنما هو حقها، وليس لأحدٍ أن ينال منه شيئاً بغير رضاها، لا زوجها ولا والديها، ولا غيرهم، فهو محض حقها، وأجرتها التي نالتها بتعبها وكدها، وضعف أنوثتها لا يبرر التسلط عليها، بل هذا يدعو لمزيد الشفقة عليها.
وقد ثبت في المسند وسنن الدراقطني عن عمرو بن يثربي قال: خطبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: «ألا ولا يحل لامرئ مسلم من مال أخيه شيء إلا بطيبة نفس منه» الحديث.
وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقُه».
رابعاً: ليس للأب ولا للزوج حقٌ في مال المرأة إلا بما رضيته:
وأما ماثبت في بعض السنن وغيرها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أنت ومالك لأبيك»، فالمعنى فيه كما قال الإمام الحافظ ابن حبان رحمه الله: معناه أنه عليه الصلاة والسلام زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبيين، وأمر ببره والرفق به في القول والفعل معاً، إلى أن يصل إليه ماله، فقال له: «أنت ومالك لأبيك»، لا أن مال الابن يملكه الأب في حياته عن غير طيب نفس من الابن به. وهكذا زوج المرأة من باب أولى، ليس له في أجرة زوجته أي نصيب.
ولا يستثنى من ذلك إلا ما إذا كان الزوج قد شرط عليها عند العقد أن يكون له نصيبٌ محدد، كأن يكون له العشر أو الربع، ونحو ذلك، مقابل تكفله بإيصالها، أو مقابل ما قد يناله من القصور في بيته بسبب خروج المرأة، فالمسلمون على شروطهم.
وهكذا الأمر لو اشترطت الزوجة عند زواجها أنه لا نصيب للزوج في أجرها على عملها، فكذلك المسلمون على شروطهم، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً عن غير طيب نفسٍ منها.
خامساً: ينبغي تغليب السماحة على المحاسبة:
المشروع أن يكون بين الزوجين من السماحة ما يجعل المال غير مؤثر على علاقتهما، فإن ما بينهما من رباط الزوجية لا يقدر بمال.
وهكذا صلة المرأة لوالديها ولقرابتها، ينبغي أن تلاحظه ً لله على ما وهبها من مال، وقد حفظ عن أمهات المؤمنين أنهن كنَّ يصلن قراباتهن بالمال والأعطيات، وهن خير أسوة لكل النساء.
أما إذا تزوجت المرأة وهي غير موظفة، ثم توظفت فينبغي أن يكون بين الزوجين من التسامح والتعاون مالا يؤثر به المال على علاقتهما، فالزوج إن كان غنياً فإن المروءة أن يستعفف عن مال زوجته وألا يأخذ منه شيئاً، والزوجة الموظفة إن كان زوجها فقيراً فيشرع لها أن تساعده، وأن تقدم ما تستطيعه بنفس رضية، وما أجمل أن تصنع كما صنعت زينب زوجة ابن مسعود، وأن تعمل بما أرشدها إليه النبي عليه الصلاة والسلام.
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: «خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يامعشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقلن: وبم ذلك يارسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن يامعشر النساء».
¥