تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} [الفرقان: 50].

وقال سبحانه: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].

وقال أيضاً: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].

والغرض من هذا أن الحق لا يُعرف بكثرةٍ أو قلةٍ، فإن نوحاً شيخَ المرسلين ما آمن معه إلا أصحاب السفينة، وهلك أكثرُ أهل الأرض، وكانوا على شرك وضلالة. والدجال -نعوذ بالله من فتنته– من أكثر رؤساء الضلالة أتباعاً، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن أنبياء لم يؤمن معهم أحد، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (عُرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط والنبي ليس معه أحد حتى رُفِع لي سواد عظيم ......... الحديث)، فهل هذا النبي الذي ليس معه أحد على غير هدى؟ والغرض من هذا الكلام أنه لا يعرف الحق بكثرة أو قلة، ولكن يعرف بنفسه، ويوزن بذاته، لا ينتقص منه قلة أتباعه أو ضعفهم، وكما قال تعالى: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100].

• ويستدل أقوام آخرون بأنهم على حق بعظمة الملك وقوة الدولة واتساع السلطان، ويستدلون بالمنطق نفسه على أن الفريق الآخر على باطل بقلة أتباعه أو ضعفهم ونحو ذلك، وهذا نحو الذي قبله، كما حكى القرآن ذلك عن فرعون الذي استخدم أسلوب الاستدلال بالقوة المادية وسعة الملك وكثرة الأموال؛ للتأثير في الجماهير، وإقناعهم بأنه على رشاد وسداد وأن العاقبة له، وأن موسى ليس على شيء، قال سبحانه: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:51 - 54]. وهنا –كما هو ظاهر في الآيات- يحاول فرعون أن يخلب عقول الجماهير الساذجة باستعراض قوته وجاهه وسلطانه وإظهار زخرفه وزينته، ليستدل بها على أنه على حق، وأنه خير من موسى؛ هذا الضعيف الفقير الذي لا يكاد يبين، وهو منطق سطحي ساذج، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق. [في ظلال القرآن - (ج 6 / ص 359)]، بل يذهب فرعون إلى أبعد من ذلك وأغرب، حينما يحاول صرف الناس عن موسى بتنقيصه وازدراء شأنه؛ لعيب خلْقي فيه، وهو عقدة من لسانه، وهذا من فرعون أسلوب عجيب وفن غريب في التمويه والخداع والتأثير في الرأي العام كما يقال في أيامنا، وهو استدلال لا يمت إلى العقل بصلة، فالأشياء الخَلْقية التي ليست من فعل العبد، لا يعاب بها، ولا يذم عليها، وفرعون يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته، فإنهم كانوا جهلة أغبياء؛ ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54]، وأكثر الناس –إلا من عصمهم العلم- على شاكلتهم، يستخفهم الكبراء والطغاة على مدار القرون!. ومثل هذا أو أعجب منه قول فرعون: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} [الزخرف: 53]، وهذا استدلال سطحي ونظر إلى الشكل الظاهر، يلقى قبولاً عند البُلْه والسذج وكثير من العامة وخاصة في ظل الحضارات المادية، ولأن موسى لا يتمتع بمظاهر الأبهة والتفخيم، فهو على باطل، ولا ينبغي اتباعه بل يجب معاندته ومحاربته، وأكثر الناس هكذا ينظر إلى الشكل الظاهر، ولا ينفذ إلى لب الدعوة وجوهرها، ولا يعطيها قدرها، ومن ثم يقدِّرون الأشخاص والأشياء والقيم بمثل هذه الموازين المختلة والمقاييس المعوجة، فلا ينتهي أحدهم إلى تقويم صحيح، أو تصور سليم، ويظل يخبط خبط عشواء على غير هدى ولا بصيرة. [تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 232)]. ولذلك تجد سائر الطغاة والمبطلين يستخدمون منطق فرعون ذاته في خداع الناس، ويقولون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير