تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[القلوب]

ـ[أبو أميمة السلفي]ــــــــ[03 - 03 - 08, 08:36 م]ـ

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغيلجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت علىنفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداًعبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراًونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماًدائمين متلازمين إلى يوم الدين،

يقول ابنالقيم رحمه الله: "وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم القلوب إلى أربعة، كما صحعن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: [القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف، فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس، فذلك قلب المنافق، عرفثم أنكر، وأبصر ثم عمي، وقلب تمده مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق، وهو لما غلب عليهمنهما] "

، فالأول قلب مضيء، يمشي صاحبه على نور من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِيالنَّاسِ [الأنعام:122] وقال أيضاً: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِأَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] وهذا القلبمثل نُورِ الإيمان الذي يقذفه الله سبحانه وتعالى فيه: كَمِشْكَاةٍ فِيهَامِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّيُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍيَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [النور:35].

والثاني: قلب أغلف، وهو قلب الكافر، ومعنى أغلف: مختوم عليه ومطبوع عليه، فلا ينفذ إليهحق.

والثالث: قلب منكوس، وهو قلب المنافق، والفرق بين الأغلف والمنكوس: أن القلب الأغلف مختوممقفل لا ينفذ إليه شيء، والمنكوس يمكن النفاذ إليه في الأصل، لكن لما انتكس صار غيرقابل لبقاء الخير فيه، ولو بقي مستقيماً لامتلأ، قال الله تعالى: ذَلِكَبِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لايَفْقَهُونَ [المنافقون:3] فالمنافقون آمنوا ثم انتكسوا، فقلب المنافق ليس مختوماًعليه من أصل الخلقة ولا مغلقاً لا يدخل فيه شيء؛ لكن لما انتكس صاحبه أصبح لا يقبلالحق وإن سمعه، فصار لا يمكن أن يمتلئ لانتكاسه، أما قلب الكافر فهو مختوم عليهكالحجر القاسي، لا ينفذ إليه شيء، وعليه فالقاسي يحتاج إلى أن يلين، والمنكوس يحتاجإلي أن يُقوَّم حتى يستقيم ويعود إلى حالتهالطبيعية.

والرابع: قلب تمده مادتان: مادة إيمان، ومادة نفاق، وهو لما غلب عليه منهما؛ وذلك لوقوعصاحبه في المعاصي، فلا تجعل قلبك متردداً بين طاعة الله ورسوله، وبين طاعة الشيطانوالهوى، فما يدريك لعل الحالة الأخرى هي التي يختم لكبها؟!

فهذاالقلب تمده مادتان، ومثال ذلك: من يسمع القرآن ويصلي، ثم يخرج فيسمع الأغاني وينظرإلى النساء، فتختلط هذه المادة بتلك المادة، ولا يدري ما الذي يغلب في الأخير؛ لأنضعف مادة الخير الذي ينتج من عدم خلوصها وصفائها قد يستدعي أن تغلبها المادةالأخرى، فتكون الخاتمة لها، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: {إنما الأعمالبالخواتيم} فعلى العبد المؤمن أن يحذر غاية الحذر من الخلط بين الخيروالشر،

ومن هناكان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يخافون سوء الخاتمة، حتى قال حنظلة: {نافقحنظلة}؛ لأنه كان يظن أن ضعف الإيمان من النفاق! فكيف لو عاد هذا الضعف على الأصلبالإبطال؟! لذا خاف حنظلة رضي الله تعالى عنه منه، وهكذا كان الصحابة الكرام رضيالله عنهم، حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: [والله لوددت أنى شجرة تعضد ثم تؤكل]،وقال أبو بكر أيضاً: [لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها، ما أمنت حتى أضعالأخرى]، وقال ابن أبي مليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلمكلهم يخشى على نفسه النفاق] فهؤلاء الذين كانت قلوبهم بيضاء تزهر، متألقة بالنور، يخشون من المادة الخبيثة أن تدخل ولو قليلاً، فتفسد هذا الصفاء وهذاالنور.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير