تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقدمالمائدة الطيبة مما أحل الله لأحدهم، فيبكي ويقول: [أخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنافي هذه الحياة الدنيا] سبحان الله! لقد بلغ به الأمر أنه يخاف من الدنيا أن تفسدعليه علمه وعمله وجهاده وهجرته مع الرسول صلى الله عليهوسلم!

ففرقعظيم بينه وبين المنافق: [المنافق يرى الذنب كذباب وقع على أنفه ثم طار]، وإذا سئلعن إيمانه قال: الحمد لله! نحن مؤمنون! ومن هذا الذي يشك في إيماننا؟! ومن هذا الذييطعن في ديننا؟! فهو مريض لا يشعر بمرضه، ولا يبحث له عن العلاج، فكيف يشفىإذاً؟!

لكنالمؤمن الصادق يرى ذنبه كالجبل فوق رأسه يكاد أن يقع عليه، ولهذا يسلم من ذلك بإذنالله سبحانه وتعالى.

قال: "وهو لما غلب عليه منهما" فإن غلبت على القلب مادة الخير تحول إلى قلب أجرد، وإنغلبت عليه المادة الأخرى انتكس وطبع عليه.

ويقول بن القيم: [وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه].

وهذه هيالمشكلة .. أن يظن المريض علامات مرضه من ورم وقيح وصديد صحة وعافية وشحماً،

يروي الإمام مسلم في صحيحه عنحنظلة بن الربيع الأسدي، أنه جاء إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه وأرضاه فقال: {يا أبابكر نافق حنظلة. قال: وما ذاك؟ قال: إنا نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم علىحال من الإيمان، وقوة اليقين، واستحضار الآخرة، فإذا فارقناه وذهبنا إلى بيوتناعافسنا الأولاد والأزواج والضيعات، ونسينا كثيراً. فقال أبو بكر: والله إنيلأجد مثل ذلك، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال حنظلة مثلما قال، فقالالنبي صلى الله عليه وسلم: إنكم لو تدومون على الحال التي تكونون بها عندي في جميعالأوقات؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةً وساعة}.ومن أعظم الإشارات التي تؤخذ من هذا الحديث أن حال المسلم ليس ثابتا بل هوفي انخفاض وارتفاع فأحيانا يقترب حتى يدخل في المناجاة ويرى إشراق نور الإيمان فيصدره ثم بعد ذلك يتعرض لبعض المؤثرات الخارجية التي تذهب به بعيدا عن هذه المعيةويفقد اللذة التي كان يحصلها في الماضي وإذا كان ينقص الإيمان بالفترة عن الذكر فمنباب أولى ينقص بفعل المعاصي. . . فإذا هو عاد إلى مجالس الذكر واستحضر مقام ربه فيقلبه، استحضر هذه الحلاوة مرة أخرى. وملاك هذا الأمر في قلب الإنسان فقلبالإنسان هو النافذة التي يدخل منها نور الإيمان للإنسان، فإن كانت هذه النافذةسليمة استقبلت النور، أما إذا كانت هذه النافذة خربة عليها خيوط العنكبوت فإنهاتحجب الضوء، هكذا القلب، فإذا كان القلب عامرا بحب الله سطع فيه نور الإيمان، وإنكان القلب مريضا فإنه لا يشعر بحلاوة الإيمان، وكل قلب يستشعر حلاوة الإيمان بقدرصلاحية هذا القلب لتذوق هذه الحلاوة. وما قلب الإنسان إلا كالإناء فإذا كانالإنسان من أهل الصلاح ومن أهل الحسنات كان القلب سليماً، وإذا أشرب القلب الفتنوخاض في الشهوات كان كالكوز مجخيا، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسيلمقال: تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً، عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتةسوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى يصير على قلبين، على أبيض مثل الصفافلا تضره فتنة ما مادمت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً (بياض يسير يخالطهالسواد)، كالكوز مجخياً (مائلا منكوسا)، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ماأشرب من هواه، فيبين هذا الحديث أن القلوب تصير إلى قسمين وذلك بعد أن تمر عليهاالفتن، قلب أبيض وقلب أسود. فحينما يظن المريض أن ما يجده من ورم هو شحموعافية وصحة، فهنا تكمن الخطورة؛ لأن أول خطوات العلاج هي الشعور بالمرض والاعترافبه، ومن لا يعترف بالمرض ولا يستشعره، ويرى أنه سليم معافىً، فلن يعالج نفسه، ألمتروا إلى الذين يرون أن التمسك بالدين وعودة المسلمين إليه مرض لابد من علاجه، ويرون أن ما هم فيه من الفجور والفسق ومقارفة المنكرات هو الصحة والعافية؟! كيفيعالج من هذا حاله؟! هل يرجى برؤه أو علاجه؟!

فأولى خطوات الشفاء هي معرفةالمرض والاعتراف به، فيعترف المشرك بالشرك، ويعلم أنه على خطر، فيطلب التوحيد، ويعترف العاصي بالمعصية، ويطلب من الله المغفرة، ويبحث عن الدعاة الذين يدلونه علىطريق الله لكي يعالجوه؛ لكن من رأى نفسه في غاية العافية، فإنه لا يرجى له أن يشفىلاشتغاله بمتابعة الشهوات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير