وقد كان الناس في الجيل الأوليسمع أحدهم صوت جارية أو مغنية أو مغنٍ وهو عابر في الطريق، أو ذاهب إلى المسجد، فيستعيذ بالله من فتنة هذا السماع، ويخشى من هذا السماع أن يدخل إلى قلبه شيئاً منالميل إلى المرض؛ فتقوى هذه المادة، ثم تكون مثل القرحة، فتستولي على القلب، فكيفبمن يدمن على سماع الغناء آناء الليل وأطراف النهار؟!
كان سلفنا الصالح رضوان اللهعليهم يخشى أحدهم أن يرفع نظره إلى امرأة، فتفتنه، فيخسر الدنيا والآخرة؛ لأنه رآهاوتأمل محاسنها، فبالله ماذا تقولون في عصر تعرض فيه هذه المناظر في المجلات، والتلفزيون، والشارع، والنوافذ، والأبواب، أينما توجهت فهي أمامك؟! فأيهما أولى بأنيعالج نفسه وأن يفحص قلبه كل يوم؟!
إذا كان السلف يخافون أن يمرضالقلب من شيء قليل، فما بالكم بمن يعيش وسط الأمراض؟! أرأيتم إن انتشر الطاعونوالإنسان غير محصن، أيأمن على نفسه منه؟! هذا هو حال القلوب اليوم؛ فالأمر كما بن القيم: "يشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحتهوأسبابها" ولا يفكر في ذلك، ولا يريدك أن تكلمه عن مرض القلب أبداً إلا إن كان مرضالقلب هو المرض الحسي، مرض الشرايين والأوردة، أما مرض النفاق أو الشبهات، فلايريدك أن تكلمه عنه أبداً.
علامة موت القلبقال المصنفرحمه الله: [بل قد يموت، وصاحبه لا يشعر بموته] بعض الناس قلبه ميت منذ ثلاثين أوأربعين سنة وهو لا يدري، وبعض الناس آخر عهد قلبه بالحياة يوم أن كان على الفطرة فيسنوات الطفولة، ومنذ أن شب لقن الشر وأشربه قلبه، فقلبه ميت عمره كله، لكنه لا يشعربموته إطلاقاً.
يقول: "وعلامة ذلك أنه لاتؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق، وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كانفيه حياة، تألم بورود القبيح عليه، وتألم بجهله بالحق بحسب حياته، و:
................. ما لجرحبميت إيلام
"
إذا كان لديك حيوان أو إنسان، واشتبه عليك أمر حياته وموته، فإنك تستطيع أن تختبره، فتعرف أنه حي أو ميت أومريض .. فتتحسه بشيء في بعض المواضع الحساسة من جسده، فإن رأيته تحرك فهذه علامةالحياة، لكن إذا كنت تطعنه وتقلبه وليس فيه حركة، فهذا ميت لا فائدةمنه.
بعض الناس يرضى أن يكون بوقاًمن أبواق الشر والفساد، فتقول له: اتق الله .. ! فإن هذا حرام، وتحاول أن تتلمس فيهالحياة، وإذا بك لا تجد شيئاً، وإذا قلت له: إن ابنتك أو زوجتك تخرج سافرة كاشفة، بل ربما كانت ممثلة أو مطربة فكيف ترضى ذلك؟! فلا تجد إحساساً ولا ترى حياة؛ بلربما كان معجباً بما هو فيه، وقلبه قد أشرب الشر والفساد.
فالقلب الذي لا يتألم بورودالقبائح، ولا يتأثر بالمواعظ التي تزجره وتردعه قلب ميت، لا خير يرجى له ولا صلاحيتوقع منه، لكن الذي فيه شيء من الحياة، عندما تنصحه يقول لك: جزاك الله خيراً! فهذا فيه حياة، ويرجى له الخير، فاجتهد معه واحرص عليه، وابذلواصبر.
ولا يعني ذلك أن يترك الميتيموت إلى الأبد؛ فإن الله تبارك وتعالى يحيي الأرض بعد موتها، قال تعالى: اعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الحديد:17] وذلك حتى لا ييئسالمؤمن ويقول: قد قال الله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَقُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُواكَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْقُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16] فالله قال: (فَقَسَتْقُلُوبُهُمْ) فلا خير إذن فيهم، نقول: بل قال أيضاً: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الحديد:17] فمن جهتك -أيها الداعية- عليك أنتبذل له الخير فقد يحييه الله، لكن لابد من تشخيصك له حتى يكون العلاج صحيحاً، فالقلب الميت إذا شخصت أنه مريض فقد أخطأت، ولو شخصت أنه حي فهذه مصيبة، فلابد أنيكون التشخيص دقيقاً، ثم تبذل له العلاج المناسب، وتستعين في ذلك بالله تعالى، فالله تعالى على كل شيء قدير، فكما أنك تبذل الماء في الأرض الميتة فيحييها اللهتبارك وتعالى من حيث لا تشعر؛ فكذلك عليك بذل الخير والنصح لكلالقلوب.
الصبر على علاج المعاصيثميقول المصنف رحمه الله يصف الحالة الثانية: [وقد يشعر بمرضه ولكن يشتد عليه تحملمرارة الدواء والصبر عليها، فيؤثر بقاء ألمه على الدواء، فإن دواءه في مخالفةالهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس له أنفع منه].
بعض الناس يعلم أنه مريضالقلب؛ يقول لك: نحن غارقون في المعاصي، فما هو العلاج؟
فتقول له: علاجك أن تحافظ علىصلاة الجماعة، وتترك المنكرات والمحرمات، وتستمع القرآن، وتخالط الأخيار، فيقول: هذه أدوية مرة جداً لا أستطيع أن أتحملها .. !
فهذا يشعر بالمرض وفيه حياة، لكن الدواء عليه مر، فلا يستطيع أن يترك رفقة السوء، وينام مبكراً، ويستيقظ لصلاةالفجر، ويترك الغناء، والأفلام، والسهرات، فإن ذلك صعب عليه
منقول