ثم قالت: لماذا تستنكرون ماتسمونه بمجزرة اليهود في الفلسطينيين في غزة؟ ألم يؤخذ عليكم العهد في القرآن أنكم تَقتُلون وتُقتَلون؟ ألا تريدون الشهادة والجنة لتلقوا حورياتكم؟ فإسرائيل تحقق لكم تلك الأمنية وتوصلكم إلى ماتريدون، تقتلكم لتصلوا إلى الجنة، فلماذا تستنكرون فعلها؟ ألم يفعل نبيكم مجزرة في يهود بني قريظة حين قتلهم؟
إلى آخر ماقالته تلك الكافرة الحاقدة، وتركوها تقول ذلك وأكثر منه، قاتلهم الله.
وهم يعرفون مذهب تلك المرأة ومواقفها ضد الإسلام وأهله، وأنها لاتكف عن سب الله ورسوله والمسلمين ومع ذلك أتوا بها. وقد ذَكَرت أنهم حين دعوها لم يضعوا لها خطوطا حمراء، ووعدوها بأن يعطوها الفرصة كاملة لتقول ماتريد، فإلى الله المشتكى.
أيها الإخوة: إن الرد على تلك الحاقدة فيما ذكرته يطول ويتشعب بمالايتسع له مقام هذه الخطبة، لكننا نقول بإجمال:
أما أننا نصفهم بالكفر فإنما وصفهم بذلك ربهم وخالقهم، يدعوهم للإيمان به وبرسوله واتباع دينه، وقد أخذ عليهم العهد بذلك، فيرفضون وهم خلقه وعبيده، يخرجون عن طاعته. فإن كان وصفهم بالكفر سبا فهو سب بحق، وأما سبهم نبينا فسب بالباطل.
وهل وجدوا في كتابنا أو سنة نبينا سبا لأي نبي من الأنبياء؟ لا والله فإن من أصول إيماننا الإيمان بجميع النبيين لانفرق بين أحد منهم، بل إن سب أي نبي هو عندنا كفر وردة. وإننا معشر المسلمين أشد حبا وتعظيما لموسى عليه السلام من اليهود أنفسهم وأشد حبا وتعظيما لعيسى عليه السلام من النصارى أنفسهم
وأما أننا معشر المسلمين نطلب الشهادة ونحرص عليها فليس معنى هذا أننا نسلم أنفسنا لأعدائنا ليقتلونا أو أننا نسكت ونرضى عمن يقتل المسلمين، فالشهادة ليست مقصودة لذاتها، فقد أمرنا ربنا بجهاد أعداء ديننا ليكون الدين كله لله، فنجاهدهم امتثالا لأمره لنشر دينه وإعلاء كلمته، فإذا أصابنا القتل رجونا بذلك الشهادة التي وعد الله بها من يقاتل في سبيله لتكون كلمته هي العليا. وقتل المسلم من أقبح الجرائم والمعاصي التي يبغضها ربنا حتى إنه روي أن زوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم، فكيف لانبغض مايبغضه ربنا؟ وإن كان جزاء الشهيد الجنة، فالجهتان منفكتان.
وأما قتل يهود بني قريظة فإنما قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم لخيانتهم وانضمامهم للأحزاب في حرب المسلمين، ونقضهم العهد، وقد بعث لهم النبي صلى الله عليه وسلم وفدا يفاوضهم ويذكرهم بالعهد والعقد فناكروهم وسبوهم وأغلظوا القول عليهم وسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامهم، فلما أمكن الله منهم قُتِلوا جزاء خيانتهم، وفاعل الخيانة العظمى يقتل عند جميع الأمم. ولم يقتل منهم سوى الرجال المقاتلين دون النساء والذرية، أما الصهاينة فلايفرقون بين صغير وكبير، ولم يسلم منهم الطفل الرضيع قاتلهم الله. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ إنه هو البر الرحيم.
الخطبة الأخرى
الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد أيها الناس فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي سر السعادة والنجاح، وطريق الفوز والفلاح، وإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.
ثم اعلموا ياأيها المسلمون أن في كلام تلك الحاقدة رسالة واضحة لأولئك المميعين الدين الراكضين وراء الكفار يخطبون ودهم، الداعين إلى مايسمونه بتقارب الأديان أو خلط الأديان، ويتناسون أن الكفار لن يقبلوا المسلمين حتى يبدل المسلمون دينهم، فيحذفوا من كتاب الله مايصفونه بأنه سب لهم، من وصفهم بالكفر، والأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ونحو ذلك من الآيات. وصدق الله إذ قال عن الكفار: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}، فلن يقبلوا المسلمين حتى يكفروا كما كفروا، كما قال تعالى: {ودوا لو تكفرون كماكفروا فتكونون سواء}، وقال تعالى عن الكفار: {ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم
¥