تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 ـ و مما يؤيِّدُ عدمَ شرعيَّة الاحتفال بيوم المولدِ هو اختلافُ أهلِ السِّيَر و التَّواريخ في تعيين شهرِ و ليلةِ و لادتِه ـ صلى الله عليه و سلم ـ على أقوالٍ كثيرةٍ [23].

و على القول المشهور أنَّ ولادته ـ صلى الله عليه و سلم ـ كانت في شهر ربيع الأوّل ليلةَ ثِنتي عشرة، يقابلُه أنَّ وفاتَه ـ صلى الله عليه و سلم ـ كانت في ذلك الشَّهر و في تلكَ اللَّيلة، و لا شكَّ أنَّ وفاتَه ـ صلى الله عليه و سلم ـ كانت أعظمَ المصائب على وجهِ الأرض، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرفوعًا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ـ أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ ـ أُصِيبَ بمُصيبَة فلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ المُصِيبَةِ الَّتي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي» [24].

قال الفاكهاني: «هذا مع أنَّ الشَّهر الذي وُلد فيه ـ صلى الله عليه و سلم ـ و هو ربيع الأوَّل ـ هو بعينِه الشَّهر الذي تُوفي فيه، فليس الفرحُ بأولى من الحزن فيه».

قال ابنُ الحاج: «العجبُ العجيبُ كيفَ يعملون المولدَ بالمغاني والفرح و السّرور ـ كما تقدَّم ـ لأجل مولدِهِ ـ صلى الله عليه و سلم ـ في هذا الشَّهر الكريم، و هو ـ صلى الله عليه و سلم ـ فيه انتقل إلى كرامة ربِّه ـ عزَّ و جلَّ ـ و فُجِعتْ الأمة و أُصيبتْ بمُصابٍ عظيمٍ لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعيَّن البكاءُ و الحزنُ الكثيرُ، و انفراد كلّ إنسانٍ بنفسِه لما أصيب به، لقوله ـ صلى الله عليه و سلم: «ليعزَّى المُسْلِمُونَ فِي مَصَائِبِهِمْ المُصِيبَة بِي» اهـ[25].

4 ـ أنَّ أكثر ما يُقصد من الاحتفال بالمولد هو إحياءُ الذِّكرى ـ كما يقولُون ـ، و النبيُّ ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال الله ـ تعالى ـ في حقّه: ? وَ رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ?، فلا يُذكَرُ اللهُ ـ عزَّ و جلَّ ـ إلاَّ ذُكر معه ـ صلى الله عليه و سلم ـ في التَّشهدِ و الأذانِ و الصَّلواتِ و الخطبِ و غيرِ ذلك، روى ابن جرير الطَّبريُّ عن قتادةَ في تفسير هذه الآية أنَّه قال: «رَفع اللهُ ذكرَه في الدّنيا و الآخرة، فليس خطيبٌ و لا متشهِّدٌ، و لا صاحبُ صلاةٍ إلاَّ ينادي بها: أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله و أشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله» [26].

و ما أجملَ شعرَ حسَّان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ مادحًا رسولَ الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ:

أغرُّ عليه للنّبوة خاتَم * مِنَ الله من نُورٍ يلوحُ و يشهدُ

و ضمَّ الإلهُ اسمَ النّبيِّ إلى اسْمِه * إذا قال في الخَمْس المؤذِّنُ: أشهدُ

و شقَّ لهُ من اسمه ليُجلَّه * فذُو العرْشِ محمودٌ و هذا محمَّدُ

فإذا كان ـ صلى الله عليه و سلم ـ يذكرُ في هذه المواطن الكثيرة على مدار الأيَّامِ و الشُّهور، فما فائدةُ تخصيصِ ليلةٍ أو لياليَ معدودةٍ من ثلاثمائةٍ و ستِّين يومٍ و ليلةٍ بذكرهِ و الاحتفالِ به، أليسَ في هذا جفاءٌ في حقِّه و بخلٌ في ذكرِه، فأين دعوى محبَّتِه ـ صلى الله عليه و سلم ـ و تعظيمِه؟!

5 ـ أنَّ في الاحتفالِ بالمولدِ مضاهاةً و مشابهةً لأهل الكتاب في أعيادِهم، كعيدِ ميلادِ المسيحِ عيسى ابن مريم ـ عليه السَّلام ـ عند النَّصارى.

و قد أُمِرْنا بمخالفتهم، و نُهِينا عن تقليدهم و التَّشبهِ بهم، فعن أبي سعيد الخدريّ ـ رضي الله عنه ـ، قال: قال ـ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم ـ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَ ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا: يَا رسولَ الله، اليهود و النَّصارى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟!» [27].

و عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ، أنَّ النَّبيَّ ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: «مَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [28].

قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «فيه دلالةٌ على النَّهي الشَّديدِ و التَّهديدِ و الوعيدِ على التَّشبه بالكفَّار في أقوالهم و أفعالهم و لباسِهم و أعيادِهم و عباداتِهم و غيرِ ذلك من أمورِهم الَّتي لم تُشْرع لنا و لا نُقَرُّ عليها» [29].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير