عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رجل نصرانيًّا فأسلم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتدَّ نصرانيًّا، وكان يقول: "ما أرى مُحَمَّدًا يُحْسِن إلا ما كُنْتُ أَكْتُب له"، فأماتَهُ اللَّه - عزَّ وجلَّ - فأَقْبَرُوهُ فأصبح قد لفِظَتْهُ الأرض، وقالوا: هذا عَمَلُ مُحَمَّد وأصحابِه، إنَّه لما لم يرضَ دينهم، نبشوا عن صاحِبِنَا فألْقَوْهُ، ثم حفروا له فأعْمَقُوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفِظَتْهُ الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس وأنَّه من الله عز وجل، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال عنه: ((لا تقبله الأرض))؛ أخرجه البخاري ومسلم.
وهكذا تَلْفِظُ الأرض مَنْ سبَّ واستهزأ برسول صلى الله عليه وسلم، وكأنها تقول له: لا مكان في بطني لمن استهزأ بك يا نبي الله.
حارس الأحذية كان خطيبًا!!
أن يكون الاعتداء على شخْصِ رسول الله مِن رجل نَصْرَانِيٍّ أو غيرِ مسلم فهذا متوقَّع وعاديّ، أمَّا أن يكونَ من أحد خُطَباءِ المسلمين فيا للعار والخيبة.
رَوَى العلاَّمة المُحَدِّث الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - عن والده الشيخ محمد شاكر - رحمه الله - وكيل الأزهر في مصر سابقًا، أنَّ خطيبًا مُفَوَّهًا كان يمدح أحد الملوك في مصر، عندما أَكْرَمَ طه حسين الذي كان يطعن في القرآن وفي العربية، فقال هذا الخطيب ذاكرًا موقف طه حسين لما جاء إلى ذلك المَلِكِ، فقال هذا الخطيب المفوَّه - يمدح ذلك الملك -: ((جَاءَهُ الأَعْمَى فَمَا عَبَسَ بِوَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى))، وهو يقصد - من قوله هذا - الإساءة والتعريض بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ الله عاتَبَهُ في قصته - عليه الصلاة والسلام - مع ابن أم مكتوم: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 1 - 2].
فلمَّا صَلَّى ذاك الإمامُ بالنَّاس، قام الشيخ محمد شاكر والدُ الشيخ أحمد شاكر - رحِمَهُمَا الله - وقال للنَّاس: أعيدوا صلاتكم فإن إمامكم قد كَفَر؛ لأنه تكلَّم بكلمة الكفر، وقال الشيخ أحمد شاكر: ولم يَدَعِ اللَّهُ لهذا المجرم جُرْمَهُ في الدنيا قبل أن يَجْزِيَهُ جزاءه في الأخرى، فأقسم بالله أنه رآه بعيْنِه بعدَ مُدَّة من الزمن - وبعد أن كان عاليًا ذا مكانة - مَهينًا ذَليلاً خادِمًا على باب أَحَدِ مَساجد القاهرة، يتلقَّى نِعَال المُصلين ليحفظها في ذلة وصَغَار.
عاقبة من مزق خطاب النبي تمزيق ملكه
كان كِسرى هو ملك الفرس وكبيرهم المجوسيّ، الذي كان يعتقد أنه إله البشر وسيُّدهم، فإذا به عندما أتاه خطاب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعوه للإسلام، مع عبدالله بن حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَبِمُجرَّد أن يسمع أنَّ الرسول قد بدأ الخطاب باسمه قبل اسم كسرى، فيمزق الكتاب ويقول - بِكُلِّ كِبْرٍ واستعلاء بغيض -: عبد من عبادي - يقصد رسول الله - يبدأ كتابه بنفسه قبلي!! ومزَّق الخِطابَ وطَرَدَ السفير، فلمَّا وَصَلَ الخَبَرُ إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مُزِّقَ مُلْكُهُ))، فعدا عليه (كسرى) أقرب الناس إليه "شيرويه" ابنه الكبير فقتله، ثم ما لبث أن قُتل هو، ثُم قُتِل مَن قَتَلَهُ، وحتَّى تمزق مُلْك كِسرى، وأخذَهُ المُسْلِمُونَ وفَتَحُوا بِلادَهُ كُلَّها في عهد الراشدين، وفي هذا يقول القائل:
وَكِسْرَى إِذْ تَقَاسَمَهُ بَنُوهُ بِأَسْيَافٍ كَمَا اقْتُسِمَ اللّحَامُ
تَمَخَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ أَتَى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تِمَامُ
وقائمة المعتدين المُتطاولين على رسولنا الكريم طويلة، والمصير المحتوم ينتظر كل طاعن ومستهزئ، ومهما تقاعَسَ المُسلمون عن نُصْرَةِ نَبِيِّهم؛ فالكون كله لِنَبِيِّهِ سينتصرُ، وصدق ربنا - عز وجل - حيث قال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95].
للكاتب / جمال عبدالناصر
http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2139