تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرّدة الأسباب والعقوبات وتهافت الشبهات

ـ[محمد بن عبد المجيد المصري]ــــــــ[14 - 03 - 08, 03:44 م]ـ

الرّدة الأسباب والعقوبات وتهافت الشبهات

هاني بن عبد الله الجبير

إن الله - تعالى - أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليدل الناس على الإسلام الذي هو أكمل الشرائع، وأمره (أن يقاتل الناس حتى يدخلوا في الإسلام ويلتزموا طاعة الله ورسوله.

ولم يؤمر أن ينقب عن قلوبهم ولا أن يشق عن بطونهم، بل تُجرى عليهم أحكام الله في الدنيا إذا دخلوا في دينه، وتجرى أحكامه في الآخرة على قلوبهم ونياتهم، فأحكام الدنيا على الإسلام، وأحكام الآخرة على الإيمان.

ولهذا قَبِلَ إسلام الأعراب، ونفى عنهم أن يكونوا مؤمنين، وقَبِلَ إسلام المنافقين ظاهراً، وأخبر أنّه لا ينفعهم يوم القيامة شيئاً، وأنّهم في الدرك الأسفل من النار.

فأحكام الله - تعالى - جارية على ما يظهر للعباد ما لم يقم دليل على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه) [1].

فانقسم الناس تجاه دعوته إلى: المؤمنين الصادقين، والكفار الظاهرين، والمنافقين المستترين.

فعامل كلاً بما أظهر.

ثم إن أهل الإيمان انقسموا بحسب تفاوت درجاتهم في الإيمان والعمل الصالح إلى درجات كما قال - تعالى -: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ} [فاطر: 32].

* حكم من كفر بعد الإيمان: وحكم على من أظهر كفره من المنافقين، أو كفر من المسلمين بالقتل كفّاً لشرهم وردعاً لغيرهم؛ فإنّ محاربتهم للإسلام بألسنتهم أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه؛ فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة هذا في القلوب والإيمان، وهذا بخلاف الكافر الأصلي؛ فإن أمره كان معلوماً، وكان مظهراً لكفره غير كاتم له، والمسلمون قد أخذوا حذرهم منه، وجاهروه بالعداوة والمحاربة، ولو تُرك ذلك الزنديق لكان تسليطاً له على المجاهرة بالزندقة والطعن في الدين ومسبّة الله ورسوله.

وأيضاً فإن من سب الله ورسوله، وكفر بهما فقد حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً؛ فجزاؤه القتل حَدّاً.

ولا ريب أن محاربة الزنديق لله ورسوله وإفساده في الأرض أعظم محاربة وإفساداً؛ فكيف تأتي الشريعة بقتل من صال على عشرة دراهم ولا تأتي بقتل من صال على كتاب الله وسنة نبيّه بين أظهر المسلمين وهي من أعظم المفاسد؟ [2].

وبين يديك أخي القارئ الكريم ورقات قليلة في جريمة الردّة تعرض جانباً من نظرة الإسلام إليها وإلى عقوبتها سائلاً الله - تعالى - أن ينفع بها.

* تعريف الردّة: الردّة في اللغة: الرجوع عن الشيء والتحول عنه، سواء تحوّل عنه إلى ما كان عليه قَبْلُ، أو لأمرٍ جديد.

ويقال: ارتدّ عنه ارتداداً، أي: تحوّل.

ويقال: ارتد فلانٌ عن دينه إذا كفر بعد إسلامه [3].

وتدل في الاصطلاح الشرعي: على كفر المسلم بقول أو فعل أو اعتقاد [4].

* وقوع الردَّة وحصولها: الردّة عن الإسلام والتحوّل عنه - أعاذنا الله منها وثبتنا على دينه - أمر ممكن الحصول؛ فقد ذكرها الله - تعالى - في كتابه محذراً منها، ومبيناً عاقبتها.

قال - تعالى -: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} (البقرة: 217).

وقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة: 54).

وقال - تعالى -: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل: 106).

إضافة إلى آيات كثيرة تبين هذا المعنى.

كما أخبر - تعالى - عن وقوع الكفر من طائفة من الناس بعد إيمانهم.

قال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ} (محمد: 25).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير