وقال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 65 - 66).
وقال: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} (التوبة: 74).
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} (النساء: 137).
كما وقعت الردة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواقف نذكر منها: قصّة عبيد الله بن جحش؛ فإنّه كان قد أسلم وهاجر مع زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة فراراً بدينه.
قالت أم حبيبة: رأيت في النوم عبيد الله زوجي بأسوأ صورةٍ وأشوهها، ففزعت وقلت: تغيّرت والله حالُهُ! فإذا هو يقول حين أصبح: إنّي نظرت في الدين، فلم أرَ ديناً خيراً من النصرانية، وكُنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد، وقد رجعتُ، فأخبرتُهُ بالرؤيا، فلم يحفِل بها، وأكبَّ على الخمر .. حتى مات [5].
ومنها ما حصل عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: «مما استفاض به النقل عند أهل العلم بالحديث والتفسير والسِّيَر أنّه كان رجال قد آمنوا ثم نافقوا، وكان يجري ذلك لأسباب: منها أمر القبلة لما حُوّلت ارتدّ عن الإيمان لأجل ذلك طائفة، وكانت محنة امتحن الله بها الناس.
قال - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} (البقرة: 143) [6].
ومنها ما حصل في غزوة تبوك إذ قال رجل في هذه الغزوة: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء، فرُفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب.
فقرأ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله - تعالى -: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 65 - 66) وما يلتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[7].
وقريب من هذا ما حصل لهشام بن العاص - رضي الله عنه - فإنّه أسلم وتواعد على الهجرة مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم إنّه حُبِسَ عنه وفُتِن فافتتن.
قال ابن إسحاق: وحدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر في حديثه قال: فكنا نقول: ما الله بقابلٍ ممن افتتن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قومٌ عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاءٍ أصابهم! قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم.
فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أنزل الله فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53).
فقدم المدينة بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[8].
والردة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ترتبط بعداوة الإسلام وحربه، ولكنها كانت مع ذلك ردّة موجبة للخروج عن الإسلام، وموجبة لتجريم فاعلها ولو لزم داره.
بل إن المنافقين في الصدر الأول كان منهم من آمن ثم نافق بعد إيمانه، وهذه ردّة أيضاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: «وكذلك لما انهزم المسلمون يوم أحد وشُجّ وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكُسرت رُباعيته، ارتد طائفةٌ نافقوا .. قال - تعالى -: [وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ المُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا] (آل عمران: 166 - 167).
¥