ومن الأساليب التربوية الموفَّقة للإمام الذهبي أنّه أراد إحياء بركة العلم ونور الدّرس وحُسن السَّمْت بحيث ينتفع الناس منك بالكلام والصّمت؛ لأنّ الحال كالمقال. وهذا ما نحن بأمسّ الحاجة إليه, وينبغي لجامعاتنا أن تلتمسه وتسعى إليه, فإنّ علم الدَّلِّ والسّمت شِبهُ مفقود.
فقد ذكر الذهبي في ترجمة الربيع بن خُثيم قول ابن مسعود: (يا أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبّك. وما رأيتكُ إلا ذكرتُ المخبتين). وأورد في ترجمة عمرو بن ميمون قول أبي إسحا: ق (حجّ واعتمر مائة مرّة, وكان إذا رُئي ذُكر الله تعالى)، وقال في ترجمة أبي عثمان النّهدي: (كان عالما صوّاما قوّاما يصلي حتى يُغشى عليه قال سليمان التيّمي: إني لأحسبه لا يصيب ذنبا)، ونقل في ترجمة أبي إسحاق السّبيعي قول مغيرة: (كنتُ إذا رأيتُ أبا إسحاق ذكرتُ به الضرب الأوّل)، وأورد في ترجمة هشام بن حسان قول حماد بن سلمة: (كانت رؤية هشام بن حسان تُبكي)، وما أحسن وأملح ما ذكره الذهبي من التّسلسل في ترجمة أبي داود سليمان بن داود السجستاني صاحب السنن: (إنّ بعض الأئمة قال: كان أبو داود يُشَبَّه بأحمد بن حنبل في هديه ودلّه وسمته, وكان أحمد يُشَبَّه في ذلك بوكيع, وكان وكيع يُشَبَّه في ذلك بسفيان, وسفيان بمنصور, ومنصور بإبراهيم, وإبراهيم بعلقمة, وعلقمة بعبد الله بن مسعود. وقال علقمة: كان ابن مسعود يُشَبَّه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودلّه).
ومن روائع الذهبي في [تذكرة الحفاظ] أنه يبعث في النفس الشوق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومحبّة حديثه، والتعلق بآثاره، كأنما يتمثل ما جاء في صحيح مسلم: (والذي نفس محمد في يده ليأتينّ على أحدكم يوم ولا يراني فيه لحظة، ثم لأن يراني أحبُّ إليه من أهله وماله معهم). فقد ذكر ـ رحمه الله ـ في ترجمة بن عمر رضي الله عنهما أنّه: (ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا بكى, وما مرّ على ربعه إلا غمض عينيه) , وأورد في ترجمة أيوب السختياني قول مالك: (كنّا ندخل على أيوب فإذا ذكرنا له حديث النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى نرحمه).
ووالله لو لم يكن في التذكرة من فضيلة إلا أنها تسعدك بأن تكون مع الصادقين, وتُحيي فيك رُوح الصالحين وتبعث بين جنبيك أنفاس الطيّبين والثقة بالمسلمين فتقول (المحيا محياكم والممات مماتكم) أو تقول (ربّ ألحقني بالصالحين) لكفاها نفعاً! فلو أنّنا ربّينا شبابنا في المدارس والمعاهد والجامعات على مثل رجال التذكرة حتى امتلأت قلوبهم بحبّ أعلام الإسلام ما كانوا ليتشبّهوا بالرّعاع والطغام والكافرين سفهاء الأحلام! ولكنّنا قصّرنا في حق الجيل فعلى أيّ مثال يقيسون؟ وعلى أيّ منوال يحتذون؟ ومتى يقولون مقالة حمّاد بن زيد: (حدثنا الضخم عن الضخام, شعبة الخير أبو بسطام)!
وهل تُرى نَرى في زماننا من يُشَبَّه بشمس الدين الذهبي فيقال فيه ما قاله التاج السبكي: (شيخ الجرح والتعديل, ورجل الرجال في كل سبيل, كأنما جُمعت الأمة في صعيد واحد, فنظرها ثم أخذ يُخبر عنها إخبار من حضرها)!
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[28 - 01 - 03, 11:47 م]ـ
فلو أنّنا ربّينا شبابنا في المدارس والمعاهد والجامعات على مثل رجال التذكرة حتى امتلأت قلوبهم بحبّ أعلام الإسلام ما كانوا ليتشبّهوا بالرّعاع والطغام والكافرين سفهاء الأحلام! ولكنّنا قصّرنا في حق الجيل فعلى أيّ مثال يقيسون؟ وعلى أيّ منوال يحتذون؟
صدقت ورب الكعبة
ـ[مختار الديرة]ــــــــ[14 - 08 - 08, 04:45 م]ـ
حياك الله و بارك فيك