أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا:
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم.
قال تعالى (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ) النجم/3 - 4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف:
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12):
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى.
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12)، وعزاه الحافظ في الفتح (13/ 291) إلى البيهقي، قال: " بسند صحيح ".
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام.
يقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 190):
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين:
الأول: بيان المجمل في الكتاب العزيز، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام.
الثاني: زيادة حكم على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى.
ثانيا:
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع.
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/ 95):
" قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى.
ثالثا:
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى، بل من وحيه فقط، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها، بل بالمعنى والمضمون.
ومِن فَهْمِ هذا الفرق، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها، ومعناها، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله، وليس في ألفاظها وحروفها.
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ، والحق والباطل.
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا، فيقال:
رابعا:
أسباب تعدد الروايات:
1 - تعدد الحادثة:
¥