يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/ 134):
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى.
2 - الرواية بالمعنى:
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن.
مثاله: حديث (إنما الأعمال بالنيات): فقد روي بلفظ (العمل بالنية) ولفظ (إنما الأعمال بالنية) وآخر (الأعمال بالنية)، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى، فإن مخرج الحديث واحد، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع، والأمثلة على ذلك كثيرة، ليس هذا محلها.
3 - اختصار الراوي للحديث:
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال، ويذكره كاملا في حال أخرى.
مثاله: روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر، فكلها جاءت عن أبي هريرة، وهي قصة واحدة، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة. انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4 - الخطأ:
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/ 39):
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة، إذ كانوا آخر الأمم، فلا نبي بعد نبيهم، ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى.
والسنة، على الوجه الذي ذكرناه أولا، من كونها وحيا من عند الله تعالى: يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم، ولو يأت تفصيله، أو أصله في كتاب الله تعالى، نقول: السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه، بما تحمله الكتب، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ، أو تعدد لسياقات الحديث، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها، أو القلق من حفظها، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ:
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات، حتى الشاذة منها، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم، وشارحه: " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس: من علم الكلام، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى، من الخوارج والروافض (خذلهم الله تعالى)، وأما حجية الكتاب والسنة: فمتفق عليها عند الأمة، ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى.
انظر: حجية السنة (248 - 249).
وانظر: إجابة السؤال (93111 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ref=93111&ln=ara))
الإسلام سؤال وجواب
ـ[محمد بن عبد الجليل الإدريسي]ــــــــ[17 - 03 - 08, 11:55 ص]ـ
و جزاك أخي الكريم و بارك الله فيك.
ـ[أبو السها]ــــــــ[17 - 03 - 08, 11:53 م]ـ
يقول ابن القيم:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقضي بالوحي وبما أراه الله، لا بما رآه هو ... وهذا في الأقضية، والأحكام، والسنن الكلية، وأما الأمور الجزئية التي لا ترجع إلى الأحكام، كالنزول في منزل معين، وتأمير رجل معين، ونحو ذلك مما هو متعلق بالمشاورة المأمور بها في قوله تعالى (وشاورهم في الأمر) فتلك للرأي فيها مدخل، ومن هذا قوله- صلى الله عليه وسلم - "في تأبير النخل" الهدي:5/ 375 بتحقيق الأرناؤوط
¥