وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم لا تجعل قبري وثناً , لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء , ومن يتخذ القبور مساجد ". (22)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور , والمتخذين عليها المساجد والسرج ". (23)
فتبين مما سبق أن بناء المساجد على القبور من الكبائر العظام المتوعد أصحابها باللعنة والوعيد والغضب , لأن في هذا العمل تعظيم للأموات , ووسيلة من وسائل الشرك الأكبر ـ والعياذ بالله ـ.
ومعنى اتخاذ القبور مساجد: أي بناء المساجد على القبور وقصد الصلاة فيها.
وقد جاء النهي عن بناء المساجد على القبور خشية الصلاة فيها , فإذا كان البناء منهي عنه , فالصلاة فيها منهي عنه من باب أولى , فالنهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن الغاية بالأولى والأحرى. وقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم بناء المساجد على القبور. وسيأتي التفصيل في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: أقوال العلماء في هذا المكان وغيره:
أفضل من تكلم في هذا الباب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , فله كلام رائع جميل يبين فيه تاريخ المقبرة الإبراهيمية , ويبين الحكم والموقف الصحيح اتجاهه , وموقف الصحابة والعلماء منه.
قال رحمه الله تعالى: " ولما كان اتخاذ القبور مساجد و بناء المساجد عليها محرما و لم يكن شيء من ذلك على عهد الصحابة و التابعين لهم بإحسان و لم يكن يعرف قط مسجد على قبر , و كان الخليل عليه السلام في المغارة التي دفن فيها و هي مسدودة لا أحد يدخل إليها و لا تشد الصحابة الرحال لا إليه و لا إلى غيره من المقابر لأن في الصحيحين من حديث أبى هريرة و أبى سعيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام و المسجد الأقصى و مسجدي هذا " , فكان يأتي من يأتي منهم إلى المسجد الأقصى يصلون فيه ثم يرجعون لا يأتون مغارة الخليل و لا غيرها. و كانت مغارة الخليل مسدودة حتى استولى النصارى على الشام في أواخر المائة الرابعة ففتحوا الباب و جعلوا ذلك المكان كنيسة ثم لما فتح المسلمون البلاد اتخذه بعض الناس مسجدا. و أهل العلم ينكرون ذلك والذي يرويه بعضهم في حديث الإسراء " أنه قيل للنبي صلى الله عليه و سلم هذه طيبة إنزل فصل فنزل فصلى , هذا مكان أبيك إنزل فصل " , كذب موضوع , لم يصلِّ النبي صلى الله عليه و سلم تلك الليلة إلا في المسجد الأقصى خاصة كما ثبت ذلك في الصحيح , و لا نزل إلا فيه.و لهذا لما قدم الشام من الصحابة من لا يحصى عددهم إلا الله , و قدمها عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس و بعد فتح الشام لما صالح النصارى على الجزية و شرط عليهم الشروط المعروفة و قدمها مرة ثالثة حتى و صل إلى سرغ و معه أكابر السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فلم يذهب أحد منهم إلى مغارة الخليل و لا غيرها من آثار الأنبياء التي بالشام لا ببيت المقدس و لا بدمشق و لا غير ذلك ... الخ (24).
وقال رحمه الله: " فقد علم بالنقل المتواتر بل علم بالاضطرار من دين الإسلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته عمارة المساجد بالصلوات والاجتماع للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة والعيدين وغير ذلك , وأنه لم يشرع لأمته أن يبنوا على قبر نبي ولا رجل صالح لا من أهل البيت ولا غيرهم لا مسجدا ولا مشهدا ولم يكن على عهده صلى الله عليه وسلم في الإسلام مشهد مبني على قبر وكذلك على عهد خلفائه الراشدين وأصحابه الثلاثة وعلي بن أبي طالب ومعاوية لم يكن على عهدهم مشهد مبني لا على قبر نبي ولا غيره لا على قبر إبراهيم الخليل ولا على غيره.
¥