ثامناً: النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام ليس عاصماً ولا مانعاً من الكفر بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مسلماً".3 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn3)
فقد يكون المرء مصلياً صائماً وهو متعاطي لسبب من أسباب الكفر المحبطة لأعماله الصالحة وهو لا يشعر، عقدياً كان هذا السبب، أوعملياً، أوقولياً: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أويصيبهم عذاب أليم".
ولا تغتر أخي المسلم بما يقوله أهل الأهواء المرجئة: "لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، حيث اختزلوا كلمة التوحيد التي بها قامت السموات والأرض في التصديق بالقلب أوالنطق باللسان ولو لم يصاحب ذلك عمل بالأركان وكف عن المحرمات والآثام، أوبقول مشايخهم من الجهمية الطغام الذين قصروا الإيمان على المعرفة القلبية، ففي شرعهم فإن إبليس وفرعون مؤمنان كاملا الإيمان لمعرفتهم برب الأرباب، حيث حكى الله عن إبليس لعنه الله: "قال رب فأنظرني إلى يوم يُبعثون"4 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn4)، وقال: "فبعزتك لأغوينهم أجمعين"5 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn5) ، وقال عن فرعون وملئه أبعدهم الله من رحمته: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً".6 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn6)
بعد هذه التنبيهات والتوطئات التي لابد منها ندلف إلى ما عزمنا عليه، فنقول وبالله التوفيق:
بم يكون الكفر عند أهل السنة والجماعة؟
الكفر عند أهل السنة والجماعة، نقاوة المسلمين، الفرقة الناجية المنصورة، يكون بالقول والعمل والاعتقاد، وبالفعل والترك، وبالجد والهزل والشك، فقد يكفر المسلم بالعمل كما يكفر بالاعتقاد، وقد يكفر بالفعل كما يكفر بالترك، وقد يكفر وهو هازل مازح كما يكفر وهو جاد حازم، وقد يكفر وهو متيقن أوشاك: "قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم"7 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn7)، وأن الكفر العملي ليس قاصراً على سب الله ورسوله ودينه.
فكما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، فقد يكفر المسلم بقول أوعمل وإن كان يعتقد بقلبه خلاف ما نطق به لسانه أوكسبته يداه، إلا المكره، فقد استثناه الله عز وجل: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"8 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn8).
لقد تعجبت كثيراً كما تعجب غيري من زعم البعض هدانا الله وإياهم سبل الرشاد أن الحاكم الذي يشرِّع دستوراً ويسن قانوناً على غرار دساتير وقوانين الكفار ويحكم به وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً لا يكفر مثلاً إلا إذا اعتقد ذلك بقلبه؛ وكان تعجب الإمام ابن الوزير اليماني رحمه الله من إحدى فرق المعتزلة وهم "البهاشمة"9 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn9) أشد حين لم يكفِّروا النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، مع نص القرآن بتكفيرهم، حيث قال: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"10 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn10)، إلا إذا اعتقدوا ذلك بقلوبهم11 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn11)، وأعجب من هذا وذاك نسبة هذا المعتقد لأهل السنة والجماعة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كما نشر في مجلة الفرقان الكويتية العدد "94": (الذبح لغير الله، والسجود لغير الله، كفر عملي مخرج من الملة، وهكذا لو صلى لغير الله فإنه يكفر كفراً عملياً أكبر – والعياذ بالله – وهكذا إذا سب الدين، أوسب الرسول، أواستهزأ بالله ورسوله، فإن ذلك كفر عملي أكبر عند جميع أهل السنة والجماعة).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء12 ( http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha87.htm#_ftn12) بالسعودية في رد على سؤال: اعتبار تارك الصلاة من غير جحود كافراً كفراً عملياً، والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله تعالى وما شابهه، فهل تارك الصلاة مستثنى؟ وما وجه الاستثناء؟
فأجابت: (ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام).
¥