ـ[أبو عبد الله النعيمي]ــــــــ[03 - 04 - 10, 01:59 ص]ـ
فوائد طيبة من حديث النغير
عن أنس-رضي الله عنه- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم-أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير-وهو فطيم-كانإذا جاءنا قال: ((ياأبا عمير! ما فعل النغير؟)) لنغرٍ كان يلعببه، وربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته، فيكنس؛ ثم ينفخ، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا.
[[وفي هذا الحديث عدة فوائد:
جمعها أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي صاحب التصانيف (في جزء مفرد) ... وذكر بن القاص في أول كتابه:
(أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها
ومثل ذلك بحديث أبي عمير هذا قال:
وما درى أن في هذا الحديث من
وجوه الفقه
وفنون الأدب والفائدة ستين وجها)
ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفيا مقاصده ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه فقال فيه:
استحباب التأني في المشي
وزيارة الإخوان
وجواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إذا لم تكن شابة وأمنت الفتنة وتخصيص الإمام بعض الرعية بالزيارة ومخالطة بعض الرعية دون بعض
ومشى الحاكم وحده
وأن كثرة الزيارة لا تنقص المودة وأن قوله زر غبا تزدد حبا مخصوص بمن يزور لطمع وأن النهي عن كثرة مخالطة الناس مخصوص بمن يخشى الفتنة أو الضرر
وفيه مشروعية المصافحة لقول أنس فيه ما مسست كفا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخصيص ذلك بالرجل دون المرأة وأن الذي مضى في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان شن الكفين خاص بعبالة الجسم لا بخشونة اللمس
وفيه استحباب صلاة الزائر في بيت المزور ولا سيما إن كان الزائر ممن يتبرك به
وجواز الصلاة على الحصير وترك التقزز لأنه علم أن في البيت صغيرا وصلى مع ذلك في البيت وجلس فيه وفيه أن الأشياء على يقين الطهارة لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف
وفيه أن الاختيار للمصلى أن يقوم على أروح الأحوال وأمكنها خلافا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدهاوفيه جواز حمل العالم علمه إلى من يستفيده منه
وفضيلة لآل أبي طلحة ولبيته إذ صار في بيتهم قبلة يقطع بصحتها وفيه جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها إباحة سنة لا رخصة وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة
وتكرير زيارة الممدوح معه
وفيه ترك التكبر والترفع
والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح وأن الذي ورد في صفة المنافق أن سره يخالف علانيته
ليس على عمومه
وفيه الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزنه أو غيره
وفيه جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها إذا استدل صلى الله عليه وسلم بالحزن الظاهر على الحزن الكامن حتى حكم بأنه حزين فسأل أمه عن حزنه
وفيه التلطف بالصديق صغيرا كان أو كبيرا والسؤال عن حاله وأن الخبر الوارد في الزجر عن بكاء الصبي محمول على ما إذا بكى عن سبب عامدا ومن أذى بغير حق
وفيه قبول خبر الواحد لأن الذي أجاب عن سبب حزن أبي عمير كان كذلك
وفيه جواز تكنية من لم يولد له
وجواز لعب الصغير بالطير
وجواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به
وجواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات
وجواز إمساك الطير في القفص ونحوه وقص جناح الطير إذ لا يخلو حال طير أبي عمير من واحد منهما وأيهما كان الواقع التحق به الآخر في الحكم
وفيه جواز إدخال الصيد من الحل إلى الحرم وإمساكه بعد إدخاله خلافا لمن منع من إمساكه وقاسه على من صاد ثم أحرم فإنه يجب عليه الإرسال
وفيه جواز تصغير الاسم ولو كان لحيوان
وجواز مواجهة الصغير بالخطاب خلافا لمن قال الحكيم لا يواجه بالخطاب إلا من يعقل ويفهم قال والصواب الجواز حيث لا يكون هناك طلب جواب ومن ثم لم يخاطبه في السؤال عن حاله بل سأل غيره
وفيه معاشرة الناس على قدر عقولهم
وفيه جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته ولو لم تكن فيه زوجته ومشروعية القيلولة
وجواز قيلولة الحاكم في بيت بعض رعيته ولو كانت امرأة
وجواز دخول الرجل بيت المرأة وزوجها غائب ولو لم يكن محرما إذا انتفت الفتنة
وفيه إكرام الزائر وأن التنعم الخفيف لا ينافي السنة
وأن تشييع المزور الزائر ليس على الوجوب
وفيه أن الكبير إذا زار قوما واسى بينهم فإنه صافح أنسا ومازح أبا عمير ونام على فراش أم سليم وصلى بهم في بيتهم حتى نالوا كلهم من بركته
وذكر بن بطال من فوائد هذا الحديث أيضا:
استحباب النضح فيما لم يتيقن طهارته
وفيه أن أسماء اللأعلام لا يقصد معانيها وأن إطلاقها على المسمى لا يستلزم الكذب لان الصبي لم يكن أبا وقد دعي أبا عميروفيه جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفا وأن ذلك لا يمتنع من النبي كما امتنع منه إنشاء الشعر
وفيه إتحاف الزائر بصنيع ما يعرف أنه يعجبه من مأكول أو غيره وفيه جواز الرواية بالمعنى لأن القصة واحدة وقد جاءت بألفاظ مختلفة
وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث وجواز الإتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا وجميع ذلك يحتمل أن يكون من أنس ويحتمل أن يكون ممن بعده والذي يظهر أن بعض ذلك منه والكثير منه ممن بعده وذلك يظهر من اتحاد المخارج واختلافها
وفيه مسح رأس الصغير للملاطفة
وفيه دعاء الشخص بتصغير اسمه عند عدم الايذاء
وفيه جواز السؤال عما السائل به عالم لقوله ما فعل النغير بعد علمه بأنه مات
وفيه إكرام أقارب الخادم وإظهار المحبة لهم لأن جميع ما ذكر من صنيع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم سليم وذويها كان غالبه بواسطة خدمة أنس له
وقد نوزع بن القاص في الاستدلال به على إطلاق جواز لعب الصغير بالطير
فقال أبو عبد الملك: (يجوز أن يكون ذلك منسوخا بالنهي عن تعذيب الحيوان)
وقال القرطبي: (الحق أن لا نسخ بل الذي رخص فيه للصبي إمساك الطير ليلتهي به وأما تمكينه من تعذيبه ولا سيما حتى يموت فلم يبح قط)]].
(والفوائد التي ذكرها ... هي من فائدة جمع طرق الحديث لا من خصوص هذا الحديث).
المصدر: (فتح الباري) (13\ 205 - 20
بتصرف واختصار
¥