تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما رددتُ عليهم الأحاديث المكذوبة، أخذوا يطلبون مني كتباً صحيحة ليهتدوا بها، فبذلت لهم ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام، واستقر الكلام على ذلك، والحمد لله" ([7]).ونورد بعد هذا العرض المختصر الأمور التالية:

1 – مما كان يقرره شيخ الإسلام: وجوب العدل مطلقاً، فكان يقول: "أوجب الله العدل لكل أحد، على كل أحد، في كل حال" ([8]).ويتجلى من هذه المناظرات ما تحلّى به شيخ الإسلام من العدل والإنصاف في جميع الأحوال، فمع خصومته للأحمدية، لما تلبّسوا به من بدع شنيعة، وأحوال شيطانية، إلا أنه أنصفهم فأثبت ما لبعضهم من التعبد والزهد ولين الجانب ([9]). وخاطب الأحمدية قائلاً: فالتتري وأمثاله سود، وأهل الإسلام المحض بياض، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض" ([10]).وما أروع مقالة بعض العلماء - عن ابن تيمية -: "وددتُ أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه" ([11]).2 - نلحظ في ثنايا هذه المناظرة ما أصاب شيخ الإسلام من المحن والابتلاء، فالأحمدية قد أجلبوا عليه بأحوالهم وخوارقهم، وحرّضوا الأمراء عليه، والكثير من الصوفية والفقهاء مع أولئك الأحمدية، بل إن بعضهم طعن في شيخ الإسلام لأجل رده على الأحمدية، فانتصر له العلامة أحمد بن إبراهيم الواسطي ([12]) قائلاً: "أما ردّه على الطائفة الفلانية ([13]) أيها المُفرِط التائه، الذي لا يدري ما يقول، أفيقوم دين محمد بن عبدالله الذي أنزل من السماء، إلا بالطعن على هؤلاء؟ ([14]) وكيف يظهر الحق إن لم يُخذل الباطل؟ لا يقول هذا إلا تائه، أو حاسد" ([15]).3 - تبدو شجاعة ابن تيمية ظاهرة جلية، فقد كان قوي القلب ثابت الفؤاد، فلم تفزعه تلك الأحوال والمخاريق، فتحدى الأحمدية، وعارضهم في مستهل المناظرة، وقال: " أنا معارض لكم مانع لكم؛ لأنكم تقصدون بذلك إبطال شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا. فانقلبو صاغرين" ([16]).وصاح بهم في آخرها – قائلاً: "يا شبه الرافضة يا بيت الكذب .. أنا كافر بكم وبأحوالكم، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون" ([17]).ولقد اعترف خصومه بشجاعته، فقالوا عنه: "هذا رجل محجاج خصِم، وما له قلوب يفزع من الملوك، وقد اجتمع بقازان ملك التتر وكبار دولته، وما خافهم" ([18]).وكثيراً ما يقرر شيخ الإسلام أن صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشجاعة والكرم ([19])، وكان يقول أيضاً: " فلا تتم رعاية الخلق وسياستهم إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشجاعة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك " ([20]).4 - أكّد ابن تيمية - في غير موضع - على أصل الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذّر من البدع والمحدثات، ومن ذلك: تطويق أغلال الحديد في أعناقهم على سبيل التعبد، فلا يصح التقرّب بذلك إلى الله تعالى؛ لأن العبادة بما لم يشرعه ضلالة ([21]).يقول شيخ الإسلام في هذا الشأن: "فهذا أصل عظيم تجب معرفته والاعتناء به وهو أن المباحات إنما تكون مباحة إذا جعلت مباحات، فأما إذا اتخذت واجبات أو مستحبات كان ذلك ديناً لم يشرعه الله، ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع ديناً لم يأذن الله به" ([22]).كما قرر – في ثنايا المناظرة – أن البدعة شرّ من المعصية، وساق أدلته على ذلك ([23]).5 - طلب الأحمدية من شيخ الإسلام أن يسلّم إليهم حالهم، فلا يعارضهم ولا ينكر عليهم ([24])، فامتنع عن ذلك، وأمرهم باتباع الشريعة، وأما مسألة فلان يسلّم إليه حاله، أو لا يسلّم إليه حاله، فمن المسائل التي تنازع الناس فيها بين إفراط وتفريط. وقد حقق شيخ الإسلام هذه المسألة في أحد أجوبته، وبيّن أن قولهم: يسلّم له حاله، له معنى سائغ إذا أريد به رفع اللوم عن صاحب الحال، فلا يؤثّم ولا يعاقب، وإن أريد بتسليم حاله أن يكون صنيعه صواباً أو صحيحاً، فلا يجوز، ولا يسلّم حاله بهذا المعنى ([25]).6 – تميّز شيخ الإسلام بالثقة بالله تعالى وحسن الظن به عز وجل، كما هو بيّن في مناظراته وتقريراته، فإن الأحمدية لما اجتمعوا تجمع الأحزاب، وتكالبوا تكالب الأعداء، وأظهروا خوارقهم، وطالبوا بحضور ابن تيمية، قال حينئذ: "فلما علمت ذلك، ألقى في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين" ([26]).وقرر هذا المعنى في أكثر من موضع، ومن ذلك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير