وهذه الأمور تقل عند أُناس وتكثر عند آخرين، ولا يمكن تطبيقها على كل فرد، أو إتهام كل فرد منحرف بمثل هذه الأمور، لكن هي في الجملة من أسباب الضلال والانحراف.
وقد يرجع ضلال هؤلاء وانحرافهم إلى الأمرين اللذين ذكرهما المؤلف الأول: ظنهم بالله ظن السوء، فمقلٌ من ذلك ومستكثر.
الثاني: أنهم لم يقدروا الله حق قدره كما قال الله جل وعلا: ? ما قدروا الله حق قدره إن الله لقويٌ عزيز ? , وكما قال تعالى: ? وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ?.
123 - الجهمية ينفون محبة الله، ويقولون: بأن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليما.
زعم ذلك إمامهم الجعد بن درهم، وحين اشتهرت مقالته في الآفاق، انتدب لرد كيده وضلاله أئمة الهدى ومصابيح الدجى فبيَّنوا هذا الضلال وهذا الانحراف، وحين لم يجدي فيه هذا الأمر وكابر فيما دلت عليه الأدلة السمعية وتجاوبت معه الفطر، قام عليه خالد القسري، وقام في الناس خطيبا وقال:
((يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً ولا كلم موسى تكليماً)) وإلى هذا المعنى أشار ابن القيم رحمه الله في نونيته بقوله:
وقد ضحى بجعد خالد الـ قسري يوم ذبائح القربانِ
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الدانِ
شكر الضحية كل صاحب سنةٍ لله درك من أخي قربانِ
وأسانيد قتل خالد القسري للجعد بن درهم فيها جهالة، غير أن هذه الحكاية مشهورة، وقد رواها بالإسناد الإمام الدرامي رحمه الله في الرد على الجهمية، وهو قريب العهد من ذلك، وتارة الشهرة والاستفاضة وتلقي الحفاظ لمثل هذه الأمور مغني عن الأسانيد.
124 - قال المؤلف: (ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته، وجعل فيهم الملك، ووضع أولياء رسوله وأهل بيته، وهذا يتضمن غاية القدح في الرب، تعالى الله عن قول الرافضة. وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين إنه أرسل ملكاً ظالماً فادعى النبوة وكذب على الله ومكث زمناً طويلاً يقول أمرني بكذا ونهاني عن كذا ويستبيح دماء أنبياء الله وأولياءه وأحبابه والرب تعلى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه ويقيم دولته على الظهور والزيادة ويذل أعداءه أكثر من ثمان مئة عام. فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين سواء.) قال الشارح: ومشابهة الرافضة لليهود لا تقتصر على هذا الموضع، ولا على هذا التشابه، فالأمر أكبر من ذلك، وأوجه التشابه كثيرة جداً.
ولا عجب في ذلك فالمذهب الرافضي أو الدين الرافضي قد وضعه اليهود ومن أوجه التشابه أن الرافضة يضاهون اليهود الذين قذفوا مريم بنت عمران بالفاحشة بقذف عائشة أم المؤمنين المبرأة في كتاب الله ومن ذلك اليهود ينسبون الندم والحزن إلى الله وأن الله لا يعلم ما سيؤول إليه الأمر، والرافضة ينسبون البدء لله وهو عقيدة من عقائدهم وهذا يقتضي نسبة الجهل لله تعالى. وأوجه التشابه بين هذا المذهب الملعون وبين قول اليهود واضح.
125 - قوله تعالى: ? أن لا تعبدوا الشيطان ? قيل بمعنى: أن لا تطيعوا الشيطان فالعبادة هنا بمعنى الطاعة كما قال تعالى: ? اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له ?.
? اتخذوا أحبارهم ? بحيث يطيعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال ويتابعونهم على ذلك.: ? ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ... ? وقد أمرهم الله جل وعلا بطاعته وتوحيده فاجتالتهم الشياطين عن ذلك فأطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال.
وقال تعالى: ? قل يا أيها الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ?.
وقد فسرت هذه الآية ? أن لا تعبدوا إلا الشيطان ? بأن العبادة حقيقية وقد شهد على ذلك الواقع.
فمنذ بضعة أعوام وُجِد في بعض البلاد العربية، وذكرت ذلك الصحف، ونشر عبر وسائل الإعلام أن هناك، جماعات يعبدون الشيطان حقيقة فيتصورونه ويتمثلونه ويعبدونه.
¥