تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا يخفى على كل مراقب للسوق ـ ولمؤشر الشركات المساهمة تحديداً ـ أن القيمة السوقية لأسهم العديد من الشركات يرتفع ويهوي في غمضه عين، وربما يستمر هذا الارتفاع أو الانخفاض الحاد لفترة أسبوع، أو أقل أو أكثر، وبعد هذه المدة قد يصبح المضارب ثرياً في لمحة بصر، وقد يكون الواقع عكسياً فينحدر إلى مستوى تحت خط الفقر، لا سيما إن كان حاصلا على مال المضاربة بطريق القرض، ونحو ذلك، ولهذا حذر كثير من الاقتصاديين من المجازفة في الدخول بكل ما يملكه المضارب، لئلا تقع الكارثة. وهنا أقول: هل هذه المخاطرة قمار، كما سماها بعض الكتَّاب المهتمين بالسوق السعودية؟

الواقع أن المخاطرة أعم من القمار، فكل قمار مخاطرة، وليس كل مخاطرة قماراً.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس حول المخاطرة والقمار، فإنه اعتبر المخاطرة من المظاهر الطبيعية في المعاملات، ومن ثَمَّ فهي جائزة شرعاً، واعتبرها في موضع آخر من القمار المحرم، والحقيقة أن هذا الاختلاف في كلامه إنما هو من اختلاف التنوع، وليس من اختلاف التضاد؛ لأنه يمكن الجمع بين كلامه في الموضعين، فأما الموضع الأول الذي صرح فيه بالجواز، فهو في مختصر الفتاوى المصرية (ص532) حيث قال: "أما المخاطرة، فليس في الأدلة الشرعية ما يوجب تحريم كل مخاطرة، بل قد عُلِم أن الله ورسوله لم يحرما كل مخاطرة" ثم قال في (ص533) " "وكذلك كل من المتبايعين لسلعة، فإن كلاً يرجو أن يربح فيها، ويخاف أن يخسر، فمثل هذه المخاطرة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، والتاجر مخاطر" أهـ.

وأما الموضع الثاني الذي صرح فيه بالمنع، فهو في كتابه العقود (ص229) حيث قال:"فإذا قيل: فهل يصح بيع المعدوم، والمجهول، والذي لا يقدر على تسليمه؟ قيل: إن كان في شيء من هذه البيوع أكل مال بالباطل لم يصح، وإلا جازت، وإذا كان فيها معنى القمار، ففيها أكل مال بالباطل، وإذا كان فيها أخذ أحدهما المال بيقين، والآخر (على خطر) بالأخذ والفوات، فهو مقامر، فهذا هو الأصل الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو المعقول الذي تبين به أن الله أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وشرع للعباد ما يصلحهم في المعاش والمعاد. فإذا باعه ثمر الشجر سنين، فهذا قمار؛ لأن البائع يأخذ الثمن، والمشتري (على الخطر)، وكذلك بيع الحمل، وحبل الحبلة، ونحو ذلك" أ هـ

وهذا الكلام النفيس، يمكن الجمع بينه وبين الذي قبله، بأن شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أجاز مطلق المخاطرة، كما في الموضع الأول، ولم يجز المخاطرة المطلقة، كما في الموضع الثاني، ووجه ذلك: أن كل معاملة لا تخلو من مخاطرة، وهذا ما لا يمكن منعه؛ لأنه مما يشق التحرز منه، ولأن يؤدي إلى المنع من كثير من المعاملات الجائزة، ويمكن ضبط هذه المخاطرة الجائزة بما كان الغالب فيها السلامة، كما يفهم هذا من كلام شيخ الإسلام حيث قال بعد كلامه الآنف الذكر ما نصه: "وإذا أكراه عقاره سنين جاز ذلك، ولم يكن هذا مقامرة؛ لأن العادة جارية بسلامة المنافع، ولا يمكنه أن يؤجر إلا هكذا، ولا مخاطرة فيها، فإن سلمت العين استقرت عليه الأجرة، وإن تلفت المنافع سقط عنه من الأجرة بقدر ما تلف من المنفعة فليست الإجارة معقودة عقداً يأخذ به أحدهما مال الآخر مع بقاء الآخر على الخطر، بل لا يستحق أحدهما إلا ما يستحق الآخر بدله" أهـ. هذا بالنسبة لمطلق المخاطرة.

أما المخاطرة المطلقة، فهي التي اعتبرها مقامرة، ويمكن ضبطها بما كان الغالب فيها الخسارة أو العطب، ولهذا حرَّم الله تعالى بيع المعدوم وبيع المجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وبيع حبل الحبلة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، فالبائع يضمن الثمن، وأما المشتري فهو على خطر بالأخذ والفوات، وقد اصطلح كثير من الفقهاء على تسمية هذا النوع من البيوع غرراً، وسماه شيخ الإسلام غرراً وقماراً، كما في كتابه العقود (ص227) , حيث قال: "إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى أن يكون الغرر مبيعاً، ونهى أن يباع ما هو غرر، كبيع السنين، وحبل الحبلة، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وعلل ذلك بما فيه من المخاطرة التي تتضمن أكل المال بالباطل، كما قال: (أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأكل أحدكم مال أخيه بغير حق) وهذا هو القمار، وهو المخاطرة التي تتضمن أكل المال بالباطل، فإنه متردد بين أن يحصل مقصوده بالبيع، وبين أن لا يحصل، مع أن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير