رابعاً: أن ارتباط القديس (فالنتين) بهذا العيد ارتباط مختلف فيه وفي سببه وقصته، بل إن بعض المصادر تشكك أصلاً في هذا القديس وتعتبره أسطورة لا حقيقة لها. وكان الأجدر بالنصارى رفض هذا العيد الوثني الذي تبعوا فيه الأمة الرومانية الوثنية، لا سيما وأن ارتباطه بقديس من قديسيهم أمر مشكوك فيه!! فإذا عيب ذلك على النصارى الذين بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم، فمن الأولى والآكد أن يعاب على المسلم إذا احتفل به. ثم لو ثبت أن هذا العيد كان بمناسبة إعدام القديس فالنتين بسبب ثباته على النصرانية، فما لنا وله، وما علاقة المسلمين بذلك؟!
خامسا: أن رجال الدين النصراني قد ثاروا على ما سببه هذا العيد من إفساد لأخلاق الشباب والشابات فتم إبطاله في إيطاليا معقل النصارى الكاثوليك. ثم أعيد بعد ذلك وانتشر في البلاد الأوربية، ومنها انتقل إلى كثير من بلاد المسلمين. فإذا كان أئمة النصارى قد أنكروه في وقتهم لما سببه من فساد لشعوبهم وهم ضالون فان الواجب على أولي العلم من المسلمين بيان حقيقته، وحكم الاحتفال به، كما يجب على عموم المسلمين إنكاره وعدم قبوله، والإنكار على من احتفل به أو نقله من النصارى إلى المسلمين وأظهره في بلاد الإسلام. وذلك يحتمه واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، إذ بيان الباطل وفضحه، والنهي عنه وإنكاره مما يجب على عموم المسلمين كل حسب وسعه وطاقته.
لماذا لا نحتفل بهذا العيد؟!
كثير ممن يحتفلون بهذا العيد من المسلمين لا يؤمنون بالأساطير والخرافات المنسوجة حوله، سواء ما كان منها عند الرومان أو ما كان عند النصارى، وأكثر من يحتفلون به من المسلمين لا يعلمون عن هذه الأساطير شيئا، وإنما دفعهم إلى هذا الاحتفال تقليد لغيرهم أو شهوات ينالونها من جراء ذلك.
وقد يقول بعض من يحتفل به من المسلمين: إن الإسلام دعا إلى المحبة والسلام، وعيد الحب مناسبة لنشر المحبة بين المسلمين فما المانع من الاحتفال به؟!
وللإجابة على ذلك أوجه عدة منها:
الوجه الأول: أن الأعياد في الإسلام عبادات تقرب إلى الله - تعالى - وهي من الشعائر الدينية العظيمة، وليس في الإسلام ما يطلق عليه عيد إلا عيد الجمعة وعيد الفطر وعيد الأضحى. والعبادات توقيفية، فليس لأحد من الناس أن يضع عيداً لم يشرعه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وبناءً عليه فإن الاحتفال بعيد الحب أو بغيره من الأعياد المحدثة يعتبر ابتداعاً في الدين وزيادة في الشريعة، واستدراكاً على الشارع - سبحانه وتعالى -.
الوجه الثاني: أن الاحتفال بعيد الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم. وإذا كان يمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة إذا لم يكن من ديننا فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الأوثان!!
وعموم التشبه بالكفار - وثنيين كانوا أم كتابيين - محرم سواء كان التشبه بهم في عقائدهم وعباداتهم -وهو أشد خطراً - أم فيما اختصوا به من عاداتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم كما قرر ذلك علماء الإسلام استمداداً من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم:
1 - فمن القرآن قول الله تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) (آل عمران 105) وقال تعالى: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (الحديد 16) فالله - تعالى - حذر المؤمنين من سلوك مسلك أهل الكتاب - اليهود والنصارى - الذين غيروا دينهم، وحرفوا كتبهم، وابتدعوا ما لم يشرع لهم، وتركوا ما أمرهم الله - تعالى - به.
2 - ومن السنة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من تشبه بقوم فهو منهم) (أخرجه أحمد 3/ 50 وأبو داود 5021) قال شيخ الإسلام: (هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله - تعالى - (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (الاقتضاء 1/ 314) وقال الصنعاني: (فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال: يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر ولكن يؤدب) (سبل السلام 8/ 248)
¥