تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أبو حاتم رضي الله عنه الأمر بصرف البصر أمر حتم عما لا يحل وهو مقرون بالزجر عن ضده وهو النظر إلى ما حرم.

صحيح ابن حبان 12/ 383.

وقال ابن القيم: " فلما كانت هذه الأعضاء هي أكثر الأعضاء مباشرة للمعاصي كان وسخ الذنوب ألصق بها وأعلق من غيرها فشرع أحكم الحاكمين الوضوء عليها ليتضمن نظافتها وطهارتها من الأوساخ الحسية وأوساخ الذنوب والمعاصي وقد أشار النبي إلى هذا المعنى بقوله إذا توضأ العبد المسلم خرجت خطاياه مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء حتى يخرج من تحت أظفاره وقال أبو إمامة يا رسول الله كيف الوضوء فقال أما فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظفارك وأنا ملك فإذا مضمضت واستنشقت بمنخريك وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين ومسحت فساد قولك وأن الفعل الواجب بالإختيار اختياري

مفتاح دار السعادة لابن القيم 2/ 23 – 24.

أما فوائد غض البصر

من غض بصره أعطاه الله ثلاث فوائد جليلة:

إحداها حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب ما تركه لله فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه والنفس تحب النظر إلى هذه الصور لا سيما نفوس أهل الرياضة والصفا فإنه يبقى فيها رقة تجتذب بسببها إلى الصور حتى تبقى تجذب أحدهم وتصرعه كما يصرعه السبع ولهذا قال بعض التابعين: ما أنا على الشاب التائب من سبع يجلس إليه بأخوف عليه من حدث جميل يجلس إليه وقال بعضهم اتقوا النظر إلى أولاد الملوك فإن لهم فتنة كفتنة العذارى.

وأما الفائدة الثانية في غض البصر فهو أنه يورث نور القلب والفراسة قال تعالى عن قوم لوط: لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فالتعلق في الصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه كما قيل:

سكران سكر هوى وسكر مدامة ** فمتى إفاقة من به سكران.

وقيل قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ** العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ** وإنما يصرع المجنون في الحين

وذكر سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال الله نور السماوات والأرض وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة خامسة وهي أكل الحلال لم تخطئ له فراسة والله تعالى يجزئ العبد على عمله بما هو من جنس عمله فغض بصره عما حرم يعوضه الله عليه من جنسه بما هو خير منه فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال بصيرة القلب.

والفائدة الثالثة قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان النصرة مع سلطان الحجة وفي الأثر الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع لهواه من الذل ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه فإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه قال تعالى: يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وقال تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، ولهذا كان في كلام الشيوخ الناس يطلبون العز من أبواب الملوك ولا يجدونه إلا في طاعة الله وكان الحسن البصري يقول وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في رقابهم يأبى الله إلا أن يذل من عصاه ومن أطاع الله فقد والاه فيما أطاعه فيه ومن عصاه ففيه قسط من فعل من عاداه بمعاصيه وفي دعاء القنوت إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت.

مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 251 - 258.

وقال ابن القيم "وفي غض البصر عدة فوائد

أحدها: تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فاضر شئ على القلب إرسال البصر، والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي منزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:

كل الحوادث مبدأها من النظر ** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ** فتك السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها ** في أعين الغيد موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ضر مهجته ** لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه وهو لا يشعر، فهو إنما يرمي قلبه، ولي من أبيات:

يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا ** أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير