تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الواضح من مذهب القائلين برضاع الكبير أنه يحرّم وتترتب عليه جميع أحكام الرضاع، وهذا يدلُّ عليه ظاهر بعض الروايات في حديث سهلة بنت سهيل بن عمرو زوجة أبي حذيفة عندما قال لها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أرضعيه تحرمي عليه"، وكما في حديث عائشة وأم سلمة: " فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة".

ويدلّ على ذلك الآثار الواردة عن بعض القائلين برضاع الكبير من ذلك:

ما أخرجه عبد الرزّاق في "مصنفه" (13833) قال حدثنا ابن جريج، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح وسأله رجل فقال: سقتني امرأة من لبنها بعد ما كنت رجلاً كبيراً، أفأنكحها؟ قال عطاء: لا تنكحها. فقلت له: وذلك رأيك؟ قال: نعم. كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ تأمر بذلك بنات أخيها".

مسألة:

هل إرضاع الكبير يكون بمباشرة المص من الثدي أم أنّه يكون بواسطة أداة كالكأس مثلاً؟

قال الحافظ ابن عبد البرّ في "التمهيد" (3/ 614):

" هكذا إرضاع الكبير على ما ذكر: يحلب له اللبن، ويسقاه، وأما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا؛ لأنَّ ذلك لا يحلُّ عند جماعة العلماء" ا. هـ

وقال النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 375):

" قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أرضعيه" قال القاضي عياض: لعلها حلبته، ثم شربه من غير أن يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما، وهذا الذي قاله القاضي حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر" ا. هـ

قلت: لكن يشكلُ على مثل هذا تعجُّب سهلة زوجة أبي حذيفة واستغرابها من الأمر بالرضاعة معللة ذلك الاستغراب بأن سالماً رجل، وله لحية، مما يشعر بأنَّ المقصود بالرضاعة على الحقيقة، ولكنْ كما جُوِّز رضاع الكبير في أصله للحاجة فكذلك يُجوّز الرضاع على الحقيقة للحاجة كما تقدَّم عن النووي.

خلاصة ما تقدّم:

يتبيّن لنا مما تقدّم أنَّ حديث سهلة بنت سهيل بن عمرو في قصة إرضاع سالم موْلى زوجها أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة حديث صحيح رواه الجمّ الغفير، وتُلُقِّيَ بالقبول، ولا مطعن في ثبوته البتةَ.

وأنَّ هذا الحديث لا يعارض أحاديث توقيت الرضاع بالحولين أو في الصغر؛ لأنَّ تلك الأحاديث إما مطلقة فتقيّد بحديث سهلة، أو عامّة في أحوال الرضاع فتخصص بقصة سالم التي هي مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة، وبذلك تجتمع الأدلة، ويُحلّ الإشكال.

غير أنّه لا يجوز التوسّع في فهم حديث سالم وتطبيقه على وجه لا يحتمله الحديث كالقول بجواز إرضاع زميلة العمل لزميلها لتجويز الخلوة كما أفتى به بعض الأزهريين، وقامت الدنيا على رأسه ولم تقعد.

فهذا توسّع غير مرضيٍّ، وفتح بابِ فتنة عريضٍ، ولا يحتمله الحديث بحال من الأحوال؛ لأنَّ غاية ما يفهم من الحديث أنّ من كان حاله حال سالم أو شبيهاً به جوِّز رضاع الكبير له؛ للحاجة، ودرءاً للمشقة والحرج الحاصل.

وفي قول بعض أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: "يدخل عليك الغلام الأيفع" والأيفع من قارب البلوغ من الصبيان ولمّا يحتلم، إشارة إلى أنَّ الرضاعة تكون في الصغر قبل البلوغ، وذلك لمن كان لابد من دخوله على المرأة من الصبيان بعد بلوغه، ممن حاله شبيه بحال سالم، والله اعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم

26/جمادى الأولى/1428هـ

ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[06 - 04 - 08, 08:59 ص]ـ

جزاك الله خيرا

وسلم على الشيخ رائد سلاما خاصا مني

ـ[فادي بن ذيب قراقرة]ــــــــ[08 - 04 - 08, 08:18 م]ـ

الشيخ الفاضل إحسان العتيبي سلمكم الله من كل سوء و نولك ما تتمنى

يصل سلامكم بعون الله

و جزاك الله كل خير على دخولك

ـ[ابن عبد البر]ــــــــ[02 - 05 - 08, 05:45 م]ـ

بحث نفيس نفع الله بك وسددك

ـ[فادي بن ذيب قراقرة]ــــــــ[05 - 05 - 08, 03:23 م]ـ

الأخ الفاضل ابن عبد البر

جزاكم الله كل خير

ـ[عبد الرحمن التميمي]ــــــــ[08 - 05 - 08, 11:43 م]ـ

ويبدو أن هذا هو رأي الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كما هو مشهور عنه

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير