وكما قيل: (إذا كنت خاملا فتعلق بعظيم)، فإن كل من يبحث عن الشهرة والمال في الغرب ليس له من سيبل إلا الطعن في الإسلام والمسلمين، فيصبح بين عشية وضحاها أشهر من نار على علم، ولو كان مصيره إلى نار جهنم، فعندما ثار المسلمون على كتاب (آيات شيطانية) لشيطان رشدي؛ ارتفعت مبيعات الكتاب، فصار من أشهر (وأفجر وأكفر) الكتب في العالم، مع أنه كتاب تافه لا يستحق القراءة، فتأمل.
أما بعد، فهذا مقال نافع للشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع ـ حفظه الله ـ حول فيلم " الفتنة "، نشر في " جريدة الاقتصادية " السعودية (العدد 5289 ـ الجمعة 27/ 3 / 1429هـ)، ثم في موقع (صيد الفوائد) المبارك، فرأيت نقله هنا تعميما للفائدة، والله الموفق.
(فريد المرادي).
" فتنة " فيلم وضيع، والقرآن محفوظ بحفظ الله، ولكن ما واجب المسلمين؟
دفاع وتنزيه للقرآن الكريم عن مزاعم السياسي الهولندي الباطلة
د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى إخوانه من النبيين، وعلى آل كلٍّ، وسائر الصحابة والتابعين، أما بعد:
فقد تابع المسلمون في أرجاء الدنيا بكل امتعاض ما أقدم عليه نائب هولندي متطرف قبل أيام من بثه لفيلم قصير سماه " الفتنة " وأراد من خلاله وبأسلوب انتقائي إسقاطي أن يسيء للقرآن الكريم بمحاولة تشويهه وحجب ما يزخر به من الضياء والنور للبشرية جمعاء، وأنَّى له ذلك، وأمام هذا العمل الوضيع ينبغي أن نتبيَّن أموراً منها:
أولاً: لا خوف على القرآن
فالقرآن الكريم محفوظٌ بحفظ الله، محروسٌ من كل باطل معنوي أو حسِّيٍّ، ولا يتطرق لشيء من نسخه أيُّ سوءٍ حسيٍّ، إلا ما قدَّره الله كوناً، أما ما فيه من كلامه سبحانه، فيستحيل كوناً وشرعاً أن يُغَيَّر أو يبدَّل، إلى أن يأذن الله بعوده إليه عند نهاية الحياة الدنيا، قال الله ـ جلَّ شأنه ـ: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 41 - 42].
ومن رحمة الله وإحسانه للعباد أنه حفظ كتابه العزيز، ولم يكِل حفظه للخلق، قال الله ـ تعالى ـ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].
قال أهل العلم: الذِّكر هنا هو القرآن، ومعنى حفظه: حراسته عن التبديل والتغيير، ولم يتفق لشيء من الكتب السماوية مثل هذا الحفظ، فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير، إما في الكثير منه أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التحريف، مع أن دواعي الملحدين والمبطلين متوافرة على إبطاله وإفساده، فهذا الحفظ من أعظم المعجزات.
ولذا فقد قيَّظ الله من عباده الأخيار من ينافح عنه، ويرد على كل من طعن فيه أو تأوَّله، ما يبطل تأويلهم ويفسد أقاويلهم، فلم يخلُ طعن طاعن إلا ممحوقاً، ولا قول مبطل إلا مضمحلاً.
ثانياً: من واجباتنا نحو القرآن
إن تكفل الله بحفظ كتابه، لا يعني قعود المسلمين عن العناية بكتاب ربهم، بل إن من المتعين عليهم ومن الشرف الكبير لهم أن يسعوا في كل ما يحفظ القرآن، ويبعد كل ما يسيء إليه، حسياً أو معنوياً.
والمهيئون لذلك هم أشرف عباده، من الملائكة السفرة، الكرام البررة، ومقدمهم في هذا جبرائيل ـ عليه السلام ـ، ليبلغوه إلى سيد الأولين والآخرين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي تلقي وحي ربه فقام به أتم القيام، وبلغه للأمة غضاً طرياً كما أُنزل عليه، هدايةً ونوراً للخلائق أجمعين، قال الله ـ تعالى ـ: (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ. مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [سورة عبس: 13 ـ 16].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ: وذلك كله حفظٌ من الله لكتابه، أن جعل السُّفراء فيه إلى الرسل الملائكةَ الكرام الأقوياء الأتقياء. اهـ.
¥