وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الاستدلال على ذلك بقوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) الكهف/23 - 24.
قالوا: ومعنى قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) أي: إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه.
ذكر هذا القول: الماوردي في "النكت والعيون" (2/ 471) والقرطبي في تفسيره (10/ 386) وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/ 128) وغيرهم.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في "أضواء البيان" (4/ 61 - 62):
" في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير:
الأول: أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها، والمعنى: أنك إن قلت سأفعل غداً كذا ونسيت أن تقول: إن شاء الله، ثم تذكرت فقل: إن شاء الله.
وهذا القول هو الظاهر؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى: (وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله) الكهف/23.
وهو قول الجمهور: وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم.
القول الثاني: أن الآية لا تعلق لها بما قبلها، وأن المعنى: إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر الله؛ لأن النسيان من الشيطان، كما قال تعالى عن فتى موسى: (وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ) الكهف/63، وكقوله: (استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله) المجادلة/19، وقال تعالى: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين) الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان، كما يدل لذلك قوله تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) الزخرف/36 وقوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس مَلِكِ الناس إله الناس مِن شَرِّ الوسواس الخناس) الناس/1 - 4.
أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله. الخَنَّاس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله، فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان " انتهى.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله على وجه غير مخصوص، كأن يقول لا إله إلا الله، أستغفر الله، لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة؟
فأجاب:
"إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول: اللهم ذكرني ما نسيت، وعلمني ما جهلت، أو ما أشبه ذلك من الأشياء.
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه، والآية يحتمل معناها: اذكر ربك إذا نسيت؛ لأن الله قال له: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" للشيخ ابن عثيمين.
الأمر الثاني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في ذلك حديث، ولكنه ضعيف جدا، فلا يجوز العمل به، رواه أبو موسى المديني وذكره الحافظ ابن القيم في كتابه "جلاء الأفهام" في الموطن الثاني والثلاثين من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إذا نسي الشيء وأراد ذكره.
قال:
" ذكره أبو موسى المديني، وروى فيه من طريق محمد بن عتّاب المروزي، ثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي، ثنا عبد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء الله) انتهى.
وهذا سند ضعيف، فيه علتان:
1 - عبيد الله بن عبد الله العتكي: جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/ 27): " قال البخاري: عنده مناكير. وقال أبو جعفر العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال البيهقي: لا يحتج به " انتهى باختصار. وانظر بعض مناكيره في "الكامل" لابن عدي (4/ 332).
2 - سعدان بن عبدة القداحي: قال ابن عدي في "الكامل" (4/ 332): " غير معروف " انتهى.
ولذلك ضعف الحديث الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص/326)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه على مقدمة كتاب "الروض المربع" (الشريط رقم 1/الدقيقة 18.35) عما يقوله بعض الناس إذا نسي شيئا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشيخ رحمه الله:
" لا أعرف له أصلا يعتمد، المستحب الذكر المطلق؛ لأن الله تعالى قال: (واذكر ربك اذا نسيت)، فمن نسي يذكر الله، يقول: لا إله إلا الله، سبحان الله " انتهىبتصرف.
نقلا عن هذا الرابط:
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=14356&scholar_id=16&series_id=617 (http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=14356&scholar_id=16&series_id=617)
والحاصل: أن الاستعانة على التذكر تكون بدعاء الله تعالى وذكره مطلقا، ولم يثبت في ذلك ذكر معين أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
¥