وقال -صلى الله عليه وسلم-:" لا يقل أحكم: أطعم ربك، ووضِّئ ربك، واسق ربك، ولا يقل أحد: ربي – أي لمولاه وسيده – وليقل سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل فتاي وفتاتي، وغلامي ".
وقال -صلى الله عليه وسلم-:" لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر"، أي أن الدهر مما قدره الله وأراده أن يكون، وبالتالي كان من شتمه كأنما شتم الله الذي قدره وأجراه ..
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-:" لا تقولوا للمنافق سيد .. ".
شاهدنا من هذه الأحاديث الثابتة الصحيحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى المسلمين عن استخدام كلمات وأسماء حمالة أوجه، قد تُستغل استغلالاً سيئاً من قبل أصحاب النفوس المريضة لمقاصدهم الباطلة، فيطلقونها على شيء ويريدون منها شيئاً آخر لا يرتضيه الشارع، ودرءاً لحصول ذلك استبدلها بكلمات وأسماء لا لبس فيها ولا غموض، لا يمكن استخدامها في المعاني الباطلة، أو استغلالها لمقاصدهم الفاسدة ..
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا
د. عبد الحي يوسف*
2004 - 10 - 16
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم* البقرة: 104
قال أبو حيان رحمه الله تعالى: هذا أول خطاب خوطب به المؤمنون في هذه السورة بالنداء الدال على الإقبال عليهم، وذلك أن أول نداء جاء أتى عاماً ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم)) وثاني نداء أتى خاصاً ((يا بني إسرائيل اذكروا)) وهي الطائفة العظيمة التي اشتملت على الملتين اليهودية والنصرانية، وثالث نداء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنين فكان أول نداء عاماً أمروا فيه بأصل الإسلام وهو عبادة الله، وثاني نداء ذُكِّروا فيه بالنعم الجزيلة وتُعِبِّدوا بالتكاليف الجليلة وخوفوا من حلول النقم الوبيلة، وثالث نداء عُلِّموا فيه أدباً من آداب الشريعة مع نبيهم صلى الله عليه وسلم إذ قد حصلت لهم عبادة الله، والتذكير بالنعم، والتخويف من النقم، والاتعاظ بمن سبق من الأمم، فلم يبق إلا ما أمروا به على سبيل التكميل من تعظيم من كانت هدايتهم على يديه. [1]
لا تقولوا: للنبي صلى الله عليه وسلم
راعنا: أمر من المراعاة، وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من الرعونة؛ فسُرُّوا بذلك وخاطبوا بها النبي صلى الله عليه وسلم يعنون بها الرعن وهو الحمق والهوج؛ روي أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمعها منهم فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه. قالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت الآية ونهي المؤمنون عنها [2]
وقولوا: بدلها
انظرنا: أي انظر إلينا وأقبل علينا، من النظر والانتظار [3]
واسمعوا: ما تؤمرون به سماع قبول [4] حذف المسموع ليعم ما أمر باستماعه، فيدخل فيه سماع القرآن وسماع السنة التي هي الحكمة لفظاً ومعنى واستجابة، ففيه الأدب والطاعة [5] وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة [6] ولا يكن سماعكم كسماع اليهود حين قالوا سمعنا وعصينا [7]
وللكافرين: ولليهود الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عذاب أليم: مؤلم
من فوائد الآية
1. النهي عن الجائز إذا كان وسيلة إلى محرم
2. الأدب واستعمال الألفاظ التي لا تحتمل إلا الحسن
3. ترك الألفاظ القبيحة أو التي فيها نوع من تشويش واحتمال لأمر غير لائق، ومن هنا أخذ المالكية وجوب حد القذف بالتعريض
4. وجوب التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مخاطبته بترك استعمال أي لفظة قد تفهم غير الإجلال والإكبار له صلى الله عليه وسلم
5. وجوب السماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بامتثال أمره واجتناب نهيه، وعند مخاطبته لمن أكرمهم الله تعالى بمعايشته والوجود معه
6ـ تحريف الكلام ليس أمراً غريباً على اليهود؛ وقد قال الله في شأنهم (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا لياً ألسنتهم وطعناً في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً)
7ـ النهي عن التشبه بالكافرين وقد قال صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) [8]
¥