ولم ينقل إلينا بأخبار صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قصر لحيته أو أخذ شيئاً منها لا في حج ولا في عمرة أو غير ذلك.
ويحتجون بأن ابن عمر أدرى منا بالأحاديث وأعلم لأنه رضي الله عنه كان أشد الصحابة حرصاً على الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً.
فهذه الحجة الثانية أوهن من بيت العنكبوت لأن العبرة في الذي رواه ابن عمر نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فيما درى وعلم.
ولا سبيل للإحتجاج بدرايته لأنه يخطىء ويصيب، وأما المشرع الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم فمعصوم عن الخطأ في تبليغ الرسالة، وهو أدرى وأعلم من ابن عمر بمقتضى العمل بالأحاديث وتفسيرها.
فالمقلد لابن عمر مما لا ريب فيه أنه متبع لهواه ومخالف لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لآن الله سبحانه ما تعبدنا باتباع ابن عمر وغيره.
وإنما تعبدنا بالذي أنزل على رسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولكن ويا للأسف مع هذا النداء وهذه الأوامر المحتمة من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ترى أكثر الناس في عصرنا الحاضر وخاصة المثقفين، أصبح مثلهم كمثل الذي قالوا: سمعنا وهم لا يسمعون، أو كبني إسرائيل قالوا: سمعنا وعصينا، أو كالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل بيمينه فقال: لا أستطيع فدعا عليه صلى الله عليه وسلم بقوله: " لا استطعت ما منعه إلا الكبر ". (9)
فشلت يده وما رفعها إلى فيه ووصفه عياذاً بالله بأنه متكبر، وما ذاك إلا لرده أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنأوا عن كتاب الله حتى كأنهم في معزل واتبعوا ما أسخط الله.
واجترحوا السيئات، واقترفوا كبائر الذنوب، وجاهروا بالمعاصي في رابعة النهار وبين ظهراني المسلمين بلا وجل ولا حياء ولا رهبة تنظر إلى أحدهم فتجده أبرع مقلد إلى الغرب ثم يا ترى؟! أبالقنبلة الذرية والهيدروجينية أم بالطائرات النفاثة وحاملات الطائرات أم بالمدافع والدبابات؟ لا والله لكنه أبرع مقلد لهم في الرذائل خاصة في شرب الخمر ولعب الميسر، في ارتياد المقاهي والملاهي والسينما ومحلات الرقص والدعارة.
تراه في الشوارع والأسواق متزيياً بزي الكافر الغاشم، حليق اللحية، مختماً بالذهب بيده سوار من ذهب مشعلاً سيجارة يتكسر بحركاته لا مروءة ولا حياء ينثني بمشيته، وتغشاه الميوعة ويتحكم فيه الدلال والتخنث ولم يبق إلا تلحق به تاء التأنيث ليكون في عداد النساء ومع هذا كله لا زالوا يزعمون أن الإسلام هو عنوان التأخر ورمز الجمود: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا. (10)
فكيف بهم إذا وقفوا بين يدي العلي الكبير، وجاء القرآن الكريم يخاصمهم وما لهم من شفيع ولا ولي حميم، فماذا تكون الحجة؟ وماذا يكون الجواب؟.
وما أقبح ما جاهروا به حلق اللحية، وتشويهها بالقص ونحوه، وأخذ العارض أو ترقيقه وصبغها بالسواد، فتشبهوا بالنساء بنعومة الخدود، وأعظم تقريع قرع الله به المنافقين بقوله: رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ. (11)
وتشبهوا بالكفرة والمشركين بحلقها، وبالمجوس بتقصيرها، والذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس منا من تشبه بغيرنا ". (12)
وروي عنه أنه قال: " من تشبه بقوم فهو منهم "، وفي رواية: " حشر معهم ". (13)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " أقل أحوال هذا الحديث يقتضي تحريم التشبه وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ". (14)
وقال ابن كثير، رحمه الله: " فيه النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في الأقوال والأفعال واللباس والأعياد والعادات وغير ذلك مما لم يشرع لنا ولم نقر عليه ". (15)
وكتب عمر بن الخطاب إلي عتبة بن فرقد: " وإياك وزي أهل الشرك ". (16)
وأن حذيفة، رضي الله عنه أتى بيتاً فرأى فيه شيئاً من زي الأعاجم فخرج وقال: " من تشبه بقوم فهو منهم ". (17)
وأن الإمام أحمد، رحمه الله دُعي إلى وليمة فنظر إلى كرسي عليه فضة فخرج ولم يقعد، فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وهو يقول: " زي المجوس زي المجوس ". (18)
¥