ولقد صدق عليهم إبليس ظنه، فقال: لأَتخَِِّذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا، وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ. (19)
حقاً لقد غيروا خلق الله، والفطرة التي فطرهم عليها وارتضاها لهم.
وروى مسلم في صحيحه (20) ما منه: أن امرأة أتت ابن مسعود، رضي الله عنه فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله؟ فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فلم أجده، فقال: لئن كنتي قرأتيه لقد وجدتيه قال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا. (21)
قولوا لي بربكم ماذا فعلت النامصة إلا أنها رققت حاجبها بأخذ شعرات منه ظناً منها أن جمالها يزداد بأخذها، وماذا فعلت المتفلجة إلا أنها بردت شيئاً يسيراً من أسنانها لتباعد بعضها عن بعض زيادة في الحسن والجمال، ومع كون المرأة أحرى من الرجل بالتجمل والزينة لم يقرها صلى الله عليه وسلم على فعلتها بل لعنها ووصفها بأنها غيرت خلق الله الذي أحسن كل شيء خلقه ولأنها عبثت بخلقها وتزينت بزينة ليست مشروعة.
فما بالنا عباد الله بالرجل الذي حلق اللحية حلق السنة المطهرة، حلق شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، أزال معالم الرجولة ونزل إلى مستوى المرأة والمخانيث في الميوعة والنعومة وطراوة الملمس واستجاب لداعي الغرب وعصى داعي الله: وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء. (22)
وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. (23)
أيها الناس واقعنا اليوم مؤلم ومؤلم جداً تتفطر منه الأكباد ويندى له جبين كل مسلم، فتحت عليكم أبواب الشر ورميتم بفتن كقطع الليل المظلم، جعلت الحليم حيران والعاقل مخبولاً.
والمؤمن لا يلوي على شيء إلا أن يفرَّ بدينه من الفتن إلى شغف من الشغاف أو إلى بطن واد من الأودية يعبد ربه حتى يأتيه اليقين، الدين انتهكت محارمه، وديست كرامته وخالف السواد الأعظم أوامره ونواهيه وتعدوا حدوده واجترأ دعاة السوء والرذيلة أن يتظاهروا بفسوقهم ورذيلتهم، ويجاهروا بمعصية الله ورسوله في الطرقات والشوارع والأسواق على السطوح والشرفات وفي كل مكان.
وحتى آل الأمر إلى أن الغريب والقريب والمواطن وغير المواطن استهزأ بالدين وأهله إذا أمرهم أحد بمعروف قالوا: اترك هذه التقاليد القديمة، ودع عنك أقوال الرجعية، عصرنا اليوم ليس كالأمس، وإذا مرَّ صاحب اللحية يلمزونه بسخرية لاذعة يقول بعضهم لبعض: كأنها ذنب تيس، كأنه عاضض على جاعد، كأنها مكنسة بلدية.
وغير ذلك من الألفاظ البذيئة التي يترفع عنها كل من آمن بالله واليوم الآخر، ويْحكم؟! أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. (24)
ناقشت بعض أولئك المثقفين عندما رأيته يحمل مجلة المصور وبعد أن أقنعته بأن لا خير فيها انتقلت معه في بحث حلق الذقن، ويا للأسف حليق وإذا به يقول بغضب وحدة نافضاً يده في وجهي: دع عنك أقوال الرجعية نحن نريد أن نتقدم وأنت وأمثالك تريدون تأخيرنا، اليوم ليس كالأمس، الصديق أصبح يعيب صديقه بإعفاء اللحية وحتى ناقصات العقول - يعني النساء - لا يرضينها.
فكأنه أشعرني بكلامه بأن حلق اللحية وقراءة المجلات الخليعة الداعرة التي تهافتوا عليها تهافت الفراش على النار، والراديو والسينما والتصوير والتدخين ونحوه من الضروريات التي تقتضيها مدنية العصر الحاضر، والتي لا يمكن الإستغناء عنها لأنها عنوان العلم والحضارة والرقي، وعلامة فارقة يعرف بها الشاب المثقف.
¥