تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[سنة متروكة يجب إحياؤها]

ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[20 - 04 - 08, 08:04 م]ـ

قال الشيخ محمد ناصرالدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة - الأحاديث رقم (31 - 32):

استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامةالصفوف وتسويتها، بحيث يندر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عنالشيوخ، ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن إقامة الصف تسويته بالأقدام، وليس فقط بالمناكب، بل لقد سمعنا مراراً من بعض أئمة المساجد – حينيأمرون بالتسوية – التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب فقط دونالأقدام، ولما كان ذلك خلاف الثابت في السنة الصحيحة، رأيت أنه لا بد منذكر ماورد من الحديث، تذكيراً لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة، غيرمغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.

فأقول: لقد صح في ذلك حديثان:

الأول: من حديث أنس.

والآخر: من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.

أما حديث أنس فهو:

31 - (أَقِيمُوا صُفُوفَكُم ْ وتراصوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْوَرَاءِ ظَهْرِي).

رواه البخاري،وأحمد من طرق عن حميد الطويل: ثنا أنس بن مالك قال: (أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: (فذكره).

زاد البخاري في رواية: (قبل أن يكبر)، وزاد أيضا في آخره: (وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه).

وهي عند المخلص، وكذا ابن ابي شيبة بلفظ: (قال أنس: فلقد رأيت احدنايلصق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه، فلو ذهبت تفعل هذا اليوم، لنفرأحدكم كأنه بغل شموس).

وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله (باب إلزاق المنكب بالمنكبوالقدم بالقدم في الصف).

وأما حديث النعمان فهو:

32 - (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ [ثَلَاثًا] وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّصُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

وفي هذين الحديثين فوائد هامة:

الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصلفيه الوجوب، إلا لقرينة، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكدالوجوب، وهو قوله صلى الله عليه وسلم (أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُبَيْنَ قُلُوبِكُمْ)، فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب، كمالا يخفى.

الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، وحافةالقدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروابإقامة الصفوف، والتراص فيها، ولهذا قال الحافظ في (الفتح) بعد أن ساقالزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس:

(وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته).

ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها،إلا القليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإنيرأيتهم في مكة سنة (1368هـ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفىعليه الصلاة والسلام، بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة – لا أستثنيمنهم حتى الحنابلة – فقد صارت هذه السنة عندهم نسياً منسياً، بل إنهمتتابعوا على هجرها والإعراض عنها، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنةفي القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع، فإن زاد كره، كما جاءمفصلاً في (الفقه على المذاهب الأربعة) (1\ 207)، والتقدير المذكور لا أصلله في السنة، وإنما هو مجرد رأي، ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفردحتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة، كما تقتضيه القواعد الأصولية.

وخلاصة القول:

إنني أهيب بالمسلمين – وبخاصة أئمة المساجد – الحريصين علىاتباعه صلى الله عليه وسلم، واكتساب فضلية إحياء سنته صلى الله عليه وسلم، أن يعملوا بهذه السنة، ويحرصوا عليها، ويدعوا الناس إليها، حتىيجتمعوا عليها جميعاً، وبذلك ينجون من تهديد: (أَوْ لَيُخَالِفَنَّاللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

وأزيد في هذه الطبعة فأقول:

لقد بلغني عن أحد الدعاة أنه يهون من شأن هذه السنة العملية التي جرىعليها الصحابة، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ويلمح إلى أنهلم يكن من تعليمه صلى الله عليه وسلم إياهم، ولم ينتبه – والله أعلم – إلى ذلك فهم منهم أولاً، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أقرهم عليه ثانياً،وذلك كاف عند أهل السنة في إثبات شرعية ذلك، لأن الشاهد يرى ما لا يرىالغائب، وهم القوم لا يشقى متبع سبيلهم.

الثالثة: في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهيرؤيته صلى الله عليه وسلم من ورائه، ولكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة فيحالة كونه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، إذ لم يرد في شئ من السنة أنهكان يرى كذلك خارج الصلاة أيضاً، والله أعلم.

الرابعة: في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس، وأنكان صار معروفاً في علم النفس، وهو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن،والعكس بالعكس، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، لعلنا نتعرض لجمعهاوتخريجها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.

الخامسة: أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن: (قد قامتالصلاة) بدعة، لمخالفتها للسنة الصحيحة، كما يدل على ذلك هذان الحديثان، لا سيما الأول منهما، فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاةواجباً ينبغي عليه القيام به، وهو أمر الناس بالتسوية، مذكراً لهم بها،فإنه مسؤول عنهم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْرَعِيَّتِهِ ......... ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير