تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم فإن تغطية ضريح وليهم بقبة منعا من الابتذال، وتمييزه عن بقية المقبورين "كعلامة المسجلة"على السيادة الوهمية والسيطرة الروحية على سائر عباد الله من غير فصيلة دمهم، وهذا هو الشيء الوحيد الذي اهتدى إليه أتباعه من الجهال الذين تركهم وليهم على جهلهم ضمانا لا استمالتهم والتحكم فيهم باسم الدين، وهو أنهم عرفوه لنا ببناء قبة على ضريحه فكان لسان حالهم يقول: من أراد أن يطلع على تاريخه وحياته فلينضر إلى قبته كشاهد وبرهان على أنه كان ... وكان ... وكان، ومن خلال ما تشاهد من الحفلات في " المواسم المزعومة دينية فيهم " تستنتج أن الهدف من بناء القبب على أضرحة أولياء المرابطين- إن كانوا أولياء حقا في حياتهم- هو استنزاف جيوب المغفلين والبلهاء من خلال الزيارات، ولا زيارة بدون مقابل، ولا دعاء بدون دفع، ولا استغاثة من غير بذل، وكل رجاء وتوسل وبكاء وتضرع وطواف كل ذلك يجب دفع الثمن لأن السيد الوليّ مثل الطبيب الجشع لا يتعامل مع المرضى مجانا، ومن لا يدفع لا فحص ولا وصفة ولا دواء ولا شفاء ولا دعاء. وهكذا بنيت قبب على قبور من يسمونهم بالأولياء واصطلحوا على تصميم وشكل هندسي موحد وزينوها ظاهرا وباطنا بالبلاط الناعم الملون المستورد ووضعوا على رمسه صندوقامغطى بأقمشة حريرية حبرت قصد التمسح به والطواف حوله، وابتدع هؤلاء "من يزعم أنهم المرابطون" البدع في بلاد الزواوة كلها من شيوخهم أن من توجه إلى البقاع المقدسة لأداء فريضةالحج يجب عليه أن يزور ضريح هذا الوليّ المدسوسويطوف حول هيكله وإلا فلا حجّ له، وعلى جانب الضريح حفرة تملأ بالتراب "الزمزمي" تقصدها النساء الجاهلات الغبيات فيأخذن حفنة يمضغنها تبركا وتفاؤلا بزواج أو ولد أو تولة، والمكلّف بمراقبة تراب الحفرة يتردد إليها بين آونة وأخرى ليلمس ما يتناقص منها فيزودها بتراب جديد يأخذه من أي مكان ويفعل ذلك خفية من أعين الناظرين والنساء خصوصا لأن الاعتقاد السائد بين البلهاء والمغفلات أن هذا التراب يتولد تلقائيا من قبر السيد الوليّ ببركته وكرامته حتى بعد وفاته، فكأنه يملك طاحونة سرية كاتمة الصوت في قبره تفرز على الحفرة رملا زمزميا فيه شفاء للنساء الغبيات ودواء للحمقى والمغفلين، ومن الغريب أن هذه القبب لم تمس بسوء في أيام الجهاد التحريري ضد الكفر الصليبي الوثني الفرنسي ولم تتعرض للدمار والهدم لأنه يعلم يقينا أن بقاءها ضمان لبقاء المسلمين على انحرافهم عن عقيدتهم الصحيحة واستمرارهم على جمودهم و تخلفهم عقليا و ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وقد ثبت واقعيا أن قائدا عسكريا فرنسيا ذهب مع فرقته في الجهاد التحريري إلى قرية ذات قبة فهددها ساخرا، قائلا: "لولا وليّ قبتكم هذه لدمّرت قريتكم عن آخرها"، وقد ظنّ أغبياء القرية أن سلامة قريتهم من الدمار تعود إلى بركته ويده الطويلة وقدرته الخارقة في حماية أحفاده من السحق والموت، وإنّه هوالذي تصدى لهؤلاء الكفرة الفجرة و رد كيدهم إلى نحورهم وهو مستلقي في رمسه بعظامه البالية النخرة، وما علموا أن لسان حال هذا القائد الماكر يقول لهم "استمروا على اعتقادكم الفاسد، وتمسكوا بصنمكم المعبود، و لو أنّكم عرفتم إسلامكم حق المعرفة وعبدتم الله تعالى وحده عن بصيرة ما بقينا في بلادكم أكثر من قرن"

و ما دخل هذه القبب من أموال؟

إن القبب على صنفين: صنف بجواها زاوية لتعليم القرآن الكريم يقصده منمختلف الجهات أبناء الفقراء من عائلات ذات الاتجاه الديني، فأموال هذه القبة التي تأتي عن طريق "سلم" السيد الوليّ من نذر وصدقة و زكاة تنفق على الطلبة الداخليين المنتسبين إليها، ويستفيد من "جفانها" الضيف والزائر من المعارف والأحباب، والوجبات تتأرجح بين مقبولة ورديئة حسب المدخول ومن ثمّ ابتدعوا بدعة إقامة الزردات2 الموسمية قصد التسول المقنع وجمع الأموال تحت طائلة "البركة" وتدارك النقص لأن المردود لا يكفي لإشباع البطون الجائعة، ومن المعلوم أن هذه الزوايا كانت قائمة تؤدي رسالتها على أكمل وجه قبل الاحتلال وينفق عليها من أموال الأوقاف والزكاة، وبدخول الكفر الصليبي الوثني الفرنسي إلى الجزائر استولى على الأوقاف واندرس البعض منها وقضى عليها بحكم السياسة الكفرية الفرنسية والبعض الآخر لا يزال يقوم بدوره إلى اليوم، ومما يجدر ذكره أنه منذ الاستقلال إلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير