[الذباب البشري]
ـ[أبو يوسف الحسيني]ــــــــ[23 - 04 - 08, 10:58 م]ـ
[الذباب البشري]
ذهبت مصطحباً أسرتي في أحد الأيام إلى إحدى الحدائق القريبة، حديقةٌ كبيرةٌ، جميلةٌ غنَّاء لها رونقٌ خاص، ممتدة الأطراف، جميلة الإعداد، رائعةُ التصميم، نظيفةُ الساحات، عفيفة المرافق، متوفر فيها سبل الراحة و الاستجمام .....
كان ذلك كله في الربيع في جو المساء وصفاء السماء.الذي يشدو فيه الكاتب للكتابة كما يشدو الطيرُ مغرداً في صباحه ...
كل ذلك و عندك أنيسك يؤانسك وسميرك يسامرك و حولك الأطفال يلعبون .. بفرح ومرح وانبساط من غير كدر يكدر عليهم عبثَ الطفولة .. كفراش في جنة ٍ .. غنية الأزهار متعددة الأنهار ... خالية من كل مهذار ...
والناس من حولك يمشون ويجلسون ويتسامرون كأنهم في يوم عيد لم يروا قبله أعياد!!
لم أبالغ فيما وصفت ولكن هكذا رأيت وشعرت و أحسست وهكذا كان كل هذا
ولكن لكل نعمة ما ينغصها و يُذهبُ بريقها ويُكدر صفوها ويقتل سرورها
و هذا هو الكدر البشري ... بل الذباب البشري!!
فعندما يفقد الإنسان عقله ويتخلى عن جوهره ومكنونه يكون حشرة بغريزته كما كان بشراً بعقله وفضله وجوهره ... رأيت ذلك الذباب البشري يلتفُّ حول تلكم الفتيات!!
بناتٌ بعمر الورد، يسرن سير المها و يتغنجن كتغنج العروس في يوم زفافها، و أريج عطرهنَّ نافذ منتشر كشذى عطر فلة ممتدة من سماء إلى سماء ومن أرض إلى أرض ...
مبرقعات الوجوه .. مظهرات سحر العيون .. التي تسحر الناسك وتفسد الراهب وتفتن المحصن وتقتل العاهر، يتمايلن بدلال و تسكع حول محلهن لا يجاوزنه، كأنهن محبوسات فيه كحبس المها في قفص الصياد .. ومن حولهن ذلك الذباب البشري المسمى زوراً وبهتاناً بشباب الأمة ... تعست وانتكست أمة هذا جلُّ شبابها!!
يقدمون لهن قرابين العشق والشوق يحتالون عليهن ليجلبونهن إلى وكر الموت ليذبحن كما تذبح الضحية الغافلة ...... من غير حراك ..
فتارة يقدمون الابتسامات الماكرة .. التي تقول في مكرها:
هلمِ هلمِ ... أيتها المغفلة .. إلى مقصلة الشرف و الفضيلة .. وتارة يرمون بأرقام هواتفهم تحت أقدامهن متسكعين ماكرين كما الذئب يمكر للضحية .. ينتظرون وثبتهم الذهبية للفوز بمتعة زمنية .. وكل ذلك من كلا الطرفين فارغاً من الحياء .. نازعاً ثوب العفة
وكأن المكان خالياً من كل إنس وجان، وكأن العفاف مات وصُلي عليه .. هكذا ذباب إن زاد وتمادى .. ضاعت كل فضيلة، وذاعت كل رذيلة، وقام سوق الخطيئة .. وساور العار أصحاب المتعة الدنيئة .. فكلاهما متمتعُ ببيع الحياء والحشمة والفضيلة!!
ولكن هناك ذئب و شاة .. فعند وقوع الواقعة يهرب الذئب متنكراً لشنيع فعلهً .. وتبقى الشاة ملطخةً بدماء الخطيئة .. فلا هي حية تعيش وتستأنس بأنس الحياة ولا هي التي ماتت وارتاحت من تبعات العار ... عارُ تعجز عن غسله البحار!!
فيا فتاة الإسلام ... كوني درة مصونة وجوهرة مكنونة .. كجواهر الياقوت لا يمسهن إلا من كان أهلٌ لهن .. بحقهن .. فارتفعي يا أُخيَّ عن سفاسف الأخلاق ..
و أما قول الزور الذي يقال لكن .. من تنهد محب، وشوق عاشق، وأشجان متيم فما هذا إلا كطُعم الغزال الذي يقدم لها حين اقترابها من فخ الاصطياد ...
فالحذر الحذر قبل الندم!! .. ويا شباب الإسلام ...
تمهلوا قبل غزوكم لتلكم الحسناوات .. فإنهن لكم أخوات!!
كأخواتكم اللاتي في بيوتكم وتخافون عليهن من هبَّات النسيم .. فالله .. الله .. بهن
فإياكم و أعراض المسلمين فكما توقعون بهن كذلك يوقع بمن عندكم .. منهن ...
فلا تفعلوا ما لا ترضون أن يفعل بكم .. حتى لا يقال لكم بأنكم ذباب بني البشر!!
هذا ما رأينا وهذا ما كدَّر خواطرنا و ألهب غيرتنا و آسف مشاعرنا
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كتبه:
خالد محمود الحماد