تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«ويَسيرٌ مُحَرَّمٌ»، وذلك لأن المحرَّم يُنافي العبادة، مثل لو كان رجلٌ يؤذِّن وعنده جماعة يتحدَّثون؛ وفي أثناء الأذان التفت إليهم وقال: فلان فيه كذا وكذا يغتابه، فالغيبة من كبائر الذُّنوب، فنقول: لا بُدَّ أن تعيد الأذان؛ لأنه قد بَطَلَ، وهذا رُبَّما يقع كثيراً في الرَّحلات عند بعض النَّاس. أما إذا كان يسيراً مُباحاً كما لو سأله سائل وهو يؤذِّنُ: أين فلان؟ فقال: ذهب. فهذا يسيرٌ مباح فلا يبطله.

... - «ولا يُجزِئُ قبل الوقت»، لدليل، وتعليل. أمَّا الدَّليل: فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم ... » فقال: «إذا حضرت الصَّلاةُ»، والصَّلاة لا تحضر إلا بدخول الوقت، وقد يُستفاد من قوله: «إذا حضرت» أن المراد دخول وقتها وإرادة فعلها. ولهذا لما أراد بلال أن يؤذِّن، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر في شدَّة الحَرِّ؛ فزالت الشَّمس؛ فقام ليؤذِّن قال: «أبرد»، ثم انتظر، فقام ليؤذِّن فقال: «أبرد» حتى رأوا فيءَ التُلُول، بل حتى سَاوى التَّلُ فيئَهُ. متفق عليه)) أي: قريب العصر، ثم أمره بالأذان، فهذا يدلُّ على أنه ينبغي في الأذان أن يكون عند إرادة فعل الصَّلاة، وينبني على ذلك ما لو كانوا جماعة في سَفر أو في نُزهة؛ وأرادوا صلاة العشاء، وأحبُّوا أن يؤخِّروها إلى الوقت الأفضل وهو آخر الوقت، فيؤذِّنون عندما يريدون فعل الصَّلاة، لا عند دخول وقت العشاء.

وأمَّا التَّعليل: فلأن الأذان إعلام بدخول وقت الصَّلاة؛ والإعلام بدخول الشيء لا يكون إلا بعد دخوله، وعلى هذا؛ فلو أذَّن قبل الوقت جاهلاً قلنا له: إذا دخل الوقت فأعد الأذان، وهذا يقع أحياناً فيما إذا غَرَّت الإنسانَ ساعتُهُ، ويُثَاب على أذانه السَّابق للوقت ثواب الذِّكْرِ المطلق.

... - «وَيُسَنَّ جُلُوسُهُ بَعْدَ أَذَانِ المغربِ يَسِيْراً»، هنا أمران: «جلوسه» و «يسيراً» ففيه سُنَّتَان:

الأولى: أن يجلس بحيث يفصل بين الأذان والإقامة.

والثانية: أن يكون الجلوس يسيراً، ودليل ذلك: أن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «صَلُّوا قبل المغرب، صَلُّوا قبل المغرب، صَلُّوا قبل المغرب، وقال في الثالثة: لمن شاء. كراهية أن يتَّخذها النَّاسُ سُنَّة» ((رواه البخاري)) وهذا يدلّ على الفصل بين الأذان والإقامة في المغرب. وثبت في «الصَّحيحين» وغيرهما أن الصحابة كانوا إذا أذَّن المغرب قاموا يُصلُّون والنبي صلى الله عليه وسلم يراهم فلم يَنْهَهُمْ ((الشيخان)) وهذا إقرار منه على هذه الصلاة، فثبت الفصلُ بالسُّنَّة القوليَّة والسنَّة الإقرارية. وعليه، يلزم من الأمر بهذه السُّنَّة وإقرارِها أن يكون هناك فصلٌ بين الأذان والإقامة.

ولا يطيل؛ لأنَّ صلاة المغرب يُسَنُّ تعجيلُها، وكلُّ صلاة يُسَنُّ تعجيلها فالأفضل أن لا يطيل الفصل بين الأذان والإقامة، لكن مع ذلك ينبغي أن يراعي حديث: «بين كُلِّ أذانين صلاة» ((الشيخان)) ولهذا قال العلماء: ينبغي في هذا أن يفسَّر التَّعجيل بمقدار حاجته، من وُضُوء، وصلاة نافلة خفيفة أو راتبة.

ويُسَنُّ تعجيلُ جميعِ الصَّلوات إلا العشاء، وإلا الظُّهر عند اشتداد الحرِّ، ولكن الصَّلوات التي لها نوافل قبلها كالفجر والظُّهر؛ ينبغي للإنسان أن يُراعي حال النَّاس في هذه، بحيث يتمكَّنون من الوُضُوء بعد الأذان ومن صلاة هذه الرَّاتبة.

«ويُسَنُّ لسامع المؤذن مُتابعتُه سِرًّا»، فيشمل الذَّكر والأُنثى، ويشمل المؤذِّن الأول والثاني إذا اختلف المؤذِّنُون.

فيجيب الأول ويجيب الثَّاني؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول» ثم هو ذِكْرٌ يُثاب الإنسان عليه، ولكن لو صَلَّى ثم سمع مؤذِّناً بعد الصَّلاة فظاهر الحديث أنَّه يجيب لعمومه.

و لو ترك الإجابة عمداً فلا إثم عليه، وهذا هو الصَّحيح. واستدلَّ الجمهور بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذِّناً يؤذِّن فقال: «على الفِطرة» ((رواه مسلم)) ولم يُنقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المُتابعة واجبة لفعلها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ولنُقِلَتْ إلينا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير