تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يا اخوة لو كان هذا خيرا لسبقونا اليه، ولما كان سبقهم اليه من ذوات أنفسهم وانما من نور ما فاض بين أيديهم من علم الوحي مما علمهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتلقوه عنه! فأين سلفيتكم معاشر الملتزمين، يا من افتتنتم بمن حفظوا القرءان في ستة أسابيع على حد قولهم بسبب تلك البرمجة؟؟ ان التنويم المغناطيسي (والذي يسميه هؤلاء الأفاكون بالايحائي تعمية لحقيقته) معروف ممارس في الأرض منذ أكثر من أربعين قرنا من الزمان، وما يتطلب أي أدوات أو آلات من أي نوع! فلو أن اصلاح انسان بالايحاء و (البرمجة) وبالتنويم الشيطاني هذا كان خيرا، أما كان أولى وأهم أن يأتي الوحي بتزكيته من الحجامة وبول الابل مثلا وغيرها من أنواع العلاج والتداوي التي كانت معلومة أيضا قبل أن يزكيها الوحي؟ ولو كان ثم طريق مختصر للحفظ في وقت قياسي، أو لتحسين ضبط الحافظ لما يحفظ، وغير ذلك، ألم تكن هذه الأمة التي ما كان نقلها للدين في أصله الا بما تحمله الصدور حفظا ووعيا، أحوج الى أن تتعلم هذا الأمر حتى يصبح المسلمون جميعا حفظة ضابطين متقنين؟

بلى! ولكن ما سمعنا بذلك في العالمين، بل ان أهل النظر وعلماء التوحيد ذموا ممارسات التنويم هذه لارتباطها بالشياطين واستحضارها، كما هو متبع في ملل الوثنيين اذ يتوهم المنومون (بفتح الواو المعجمة) خلال شعائرهم في معابدهم أنهم قد حل في أجسادهم آلهتهم المعبودة تتواصل معهم وتنقلهم الى وعي آخر، وما هي الا شياطين تتلبسهم وتعبث بهم!!

ما الذي يحمل مسلما موحدا على ترك أسباب علو الهمة وشحذ التوكل والتوحيد في قلوب المسلمين، والتي هي هدي سيد المرسلين، الى مخلفات وثنية وعقائد الحادية تعبد المرء لقوة باطنة خفية في داخله يتوهمها ويتوكل عليها من دون الله؟؟! ألأن الأولى تحصيلها يحتاج الى طول معالجة للنفس وتعاهد لها طويل وجهاد لا ينقطع ما دامت في الصدر أنفاس، وأما الثانية فتظهر آثارها (المذهلة) في أحيان كثيرة في وقت قليل ومع مجهود قليل أو منعدم أحيانا؟؟ ما هذا التلبيس العجيب؟؟

انني أقول لكل من فتنتهم دورات التحفيظ بالبرمجة هذه من اخوتي الملتزمين ان اتقوا الله ولا تدعوا الشيطان يلبس عليكم فيأتيكم من باب القرءان! ولا (تستسهلوا) وتتواكلوا ويوهمكم الشيطان بأنه قد جاءكم أخيرا ما حرم من مثله الأولون من "اختراع" يحفظهم كتاب ربهم في أيام معدودة!! فلا يزال القرءان يحتاج الى الجهد والمثابرة في حفظه، ولا يزال الى قيام الساعة يحتاج الى التعاهد الدائم والمواظبة على المراجعة المستمرة ليثبت الحفظ، وهذه سنة كونية لله تعالى ماضية في الناس، وعليها ترتب أجر وفضل حملة القرءان، فلو أنه كان يكفي لحفظه ابتلاع كبسولة صغيرة لما كان لحملته ذلك الفضل العظيم الذي دلت عليه نصوص السنة، فعلى قدر المشقة يكون الأجر! ولا يزال القرءان يتفلت من صدور حملته ليبتليهم الله بتعاهده الدائم خوفا من نسيانه، جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها" ..

فلا تغتروا بمن قال أن هذه الدورات كانت سببا في أن حفظ القرءان كله في شهر واحد!! لو أردت أنت أن تحفظ القرءان كله في مثل هذه المدة، فستفعل بعون الله وبلا دورات ولا أوهام ولا شيء من ذلك، ولكن اعلم أنك ستنساه كله أو جله في أقل مما حفظته فيه! لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحفظون القرءان خمسا خمسا، خمس آيات في اليوم، فهل كانوا يعجزون عن حفظ خمس صفحات – مثلا – أو أكثر في اليوم؟ كلا! وانما العبرة في التأني وسهولة المراجعة والتدرج الذي يناسب أحوال قلوب البشر .. انه الهدي الأحكم والأحسن ونحن ندين الله بأن هؤلاء سبيلهم هو سبيل الرشاد، رضي الله عنهم وأرضاهم! فهل تريدون ذلك السبيل أم تريدون غيره؟ أم أن الذي يعنينا اليوم هو السرعة والعجلة حتى نكون في يوم وليلة من حفظة القرءان؟؟! أولو كانت عاقبة ذلك فساد عقيدتكم وانخرام توحيدكم، ورسوخ الاعتقاد عندكم بأمور أقل ما فيها أنها تدمر توحيد التوكل والانابة وتضع في مكانه ما الله به عليم؟؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير