تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقَالَ أيْضًا: «وهَؤُلاءِ تَرَكُوا المُقَامَرَةَ بالأيْدِي، وعَجَزُوا عَنْهَا: فَفَتَحُوا القِمَارَ بالألْسِنَةِ، والقِمَارُ بالألسِنَةِ أفْسَدُ لِلعَقْلِ والدِّينِ مِنَ القِمَارِ بالأيْدِي، والواجِبُ على المُسْلِمِيْنَ المُبَالَغَةُ في عُقُوبَةِ هَؤُلاءِ، وهَجْرِهِمِ، واسْتِتَابَتِهِمْ ـ إلى قَوْلِهِ ـ: فَإنَّهَا تُفْسِدُ اللِّسَانَ العَرَبِيَّ، وتَنْقُلُهُ إلى العُجْمَةِ المُنْكَرَةِ.

ومَازَالَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ تَغْيِيرَ شَعَائِرِ العَرَبِ حَتَّى في المُعَامَلاتِ، وهُوَ «التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ العَرَبِيَّةِ» إلاَّ لِحَاجَةٍ; كَمَا نَصَّ على ذَلِكَ مَالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، وأحْمَدُ; بَل قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَلَّمَ في مَسْجِدِنَا بِغَيْرِ العَرَبِيَّةِ أُخْرِجَ مِنْهُ.

مَعَ أنَّ سَائِرَ الألْسُنِ يَجُوزُ النُّطْقُ بِهَا لِأصْحَابِهَا; ولَكِنْ سَوَّغُوهَا لِلحَاجَةِ، وكَرِهُوهَا لِغَيْرِ الحَاجَةِ، ولِحِفْظِ شَعَائِرِ الإسْلامِ; فَإنَّ الله أنْزَلَ كِتَابَهُ باللِّسَانِ العَرَبِيِّ، وبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ العَرَبِيَّ، وجَعَلَ أُمَّةَ العَرَبِيَّةِ خَيْرَ الأُمَمِ، فَصَارَ حِفْظُ شِعَارِهِمْ مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الإسْلامِ.

فَكَيْفَ بِمَنْ تَقَدَّمَ على الكَلامِ العَرَبِيِّ ـ مُفْرَدِهِ ومَنْظُومِهِ ـ فَيُغَيِّرُهُ ويُبَدِّلُهُ ويُخْرِجُهُ عَنْ قَانُونِهِ ويُكَلِّفُ الانْتِقَالَ عَنْهُ؟!

إلى قَوْلِهِ: ... والَّذِينَ يُبَدِّلُونَ اللِّسَانَ العَرَبِيَّ ويُفْسِدُونَهُ، لَهُمْ مِنْهُ هَذَا الذَّمُّ والعِقَابُ بِقَدْرِ مَا يَفْتَحُونَهُ، فَإنَّ صَلاحَ العَقْلِ، واللِّسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الإنْسَانُ، ويُعِينُ على تَمَامِ الإيمَانِ، وضِدُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الشِّقَاقَ، والضَّلالَ، والخُسْرَانَ، واللهُ أعْلَمُ» انْتَهَى.

* * *

ومِنْ عَرِيْضِ فَسَادِ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ»، ورَكَاكَةِ ألْفَاظِهِ، مَا عَبَّرَ عَنْهُ رَئِيسُ تَحْرِيرِ مَجَلَّةِ المَجْمَعِ اللُّغَوِيِّ بِدِمَشْقَ; حَيْثُ ذَكَرَ دِيوانَ «النَّبَطِ» لِخَالِدِ الفَرَجِ، وعَرَّفَ بِهِ وبِمُؤَلِّفِهِ ثُمَّ قَالَ (2/ 304): «ونَشْهَدُ لِوجْهِ الله شَهَادَةً خَالِصَةً أنَّنَا قَرَأْنَا هَذَا الدِّيوانَ مِنْ بَابِهِ إلى مِحْرَابِهِ، وتَحَمَّلنَا في ذَلِكَ مَشَقَّةً كَبِيرَةً، ولَكِنَّا لَمْ نَجِدْ فِيْهِ شَيْئًا يَتَنَعَّمُ بِهِ الفِكْرُ أوِ القَلْبُ، وقَدْ تَعَجَّبْنَا كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ جَامِعِ الدِّيْوَانِ في مُقَدِّمَتِهِ: «وبَعْدُ فَلا بُدَّ لِمَنْ يَدْرُسُ الأدَبَ العَرَبِيَّ وتَأرِيخَهُ وتَطَوُّرَاتِهِ أنْ يَبْدَأ بِدِرَاسَةِ الأدَبِ العَامِّيِّ في نَجْدٍ في الوَقْتِ الحَاضِرِ لِأنَّهُ صُورَةٌ صَادِقَةٌ على مَا كَانَ عَلَيْهِ أدَبُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ في العَصْرِ الجَاهِلِيِّ»، لا والله، لَيْسَ هَذَا الأدَبُ أدَبَ التَّطَوُّرِ، ولَكِنَّهُ أدَّبُ التَّدَهْوُرِ ... وحَرَامٌ أنْ يُشَبِّهَ بِهِ شِعْرَ الجَاهِلِيَّةِ، وحَرَامٌ أكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أنْ يُطْبَعَ مِثْلُ هَذَا الزَّجَلِ الغَثِّ لِلفَخْرِ ... فَمَا أجِدُ لِطَبْعِهِ إلاَّ فَضِيلَةً وَاحِدَةً: العِلمُ بِهِ، لِلحَذَرِ مِنْهُ، أنَّهُ أدَبُ العَامَّةِ أدَبُ الانْحِطَاطِ الَّذِي يُوجَدُ مِثْلُهُ في كُلِّ قُطْرٍ، ولَمْ تُوجَدِ المَجَامِعُ اللُّغَوِيَّةُ إلاَّ لِتُنْقِذَ الشُّعُوْبَ مِنْ هَذَا اللَّوْنِ مِنَ الأدَبِ» انْتَهَى.

وبَعْدَ هَذِهِ الأقْوالِ الصَّرِيحَةِ مِنْ أرْبَابِ، ودَارِسِي، وعُشَّاقِ «النَّبَطِيِّ» نَسْتَطِيعُ أنْ نَقْطَعَ دُونَ تَرَدُّدٍ بِأنَّ الشِّعْرَ «النَّبَطِيَّ» مِنْ أبْعَدِ الأشْيَاءِ عَنْ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ، وقَواعِدِ النَّحْوِ، وبُحُوْرِ الشِّعْرِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وضَعَهُ ورَسَمَهُ أرْبَابُ اللُّغَةِ، وفُحُولُ الشِّعْرِ، وحُمَاةُ الفُصْحَى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير