تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أبْنَاءِ الدَّوْلَةِ الواحِدَةِ؛ الشَّيءُ الَّذِي يَزِيْدُ الأمَّةَ ضِغْثًا على إبَّالَةٍ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الخَطَرِ الَّذِي تُثِيرُهُ مُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» اليَوْمَ؛ إلاَّ قَضِيَّةُ «التَّتْرِيكِ» () المَعْرُوفَةُ لِلجَمِيعِ لَكَفَى ذَلِكَ; عِنْدَمَا انْتَصَرَ الأتْرَاكُ لِلُغَتِهِمْ، وحَاوَلُوا فَرْضَهَا على غَيْرِهَا، فَانْتَصَرَتِ الأُمَمُ الأُخْرَى لاسِيَّما العَرَبِيَّةُ مِنْهَا لِلُغَاتِهَا ولهَجَاتِهَا، وتَحَرَّكَتْ في نُفُوسِ سُكَّانِ الأقَالِيمِ العُثْمَانِيَّةِ الأُخْرَى النَّعْرَةُ والغَضَبُ، وشَرَعَ كُلُّ قَوْمٍ يُدَافِعُونَ عَنْ لهْجَتِهِم؛ حَتَّى تَفَكَّكَتِ الرَّوابِطُ بَيْنَهُمْ، وانْقَسَمَتِ الدَّوْلَةُ إلى دُولٍ، والأُمَّةُ إلى أُمَمٍ، وهَكَذَا وَقَعَتِ الأمَّةُ الإسْلامِيَّةُ في مَا أرَادَهُ لهَا أعْدَاؤهَا اليَوْمَ!

ومَا هَذِهِ المُقَدِّمَاتُ الَّتِي يَطْرَحُونَهَا ويُدَافِعُونَ عَنْهَا مِنْ خِلالِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»؛ إلاَّ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ، ونَذِيْرٌ سَافِرٌ إلى تَمْزِيْقِ الأمَّةِ، وتَمْرِيرِ أفْكَارِ ومُخَطَّطَاتِ أعْدَاءِ الإسْلامِ; كَمَا كَانَتْ بالأمْسِ عِنْدَ دُعَاةِ العَامِيَّةِ في مِصْرَ والشَّامِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا القَصْدُ وارِدًا في حُسْبَانِ مُحِبِّيهَا اليَوْمَ; لَكِنَّهُ سَيَكُونُ حَقِيْقَةً مُؤْذِيَةً في الأمَدِ القَرِيْبِ إنْ لَمْ تَسْتَيْقِظِ الأُمَّةُ مِنْ سُبَاتِهَا، ويَقُومُ العُلَمَاءُ بِواجِبِهِمْ نَحْوَ هَذَا الخَطَرِ الدَّاهِمِ على فِكْرِ الأُمَّةِ ولُغَتِهَا، فَهَل بَعْدَ هَذَا مِنْ رَجُلٍ رَشِيدٍ يَا أهْلَ الجَزِيرَةِ والتَّوْحِيدِ؟!

* * *

فَلَيْتَ شِعْرِي لَوْ أنَّ هَذِهِ القَالاتِ والشُّبَهَاتِ كَانَتْ وَقْفًا على أفْكَارِ وألسِنَةِ أعْدَاءِ الإسْلامِ والمُسْلِمِيْنَ، إلاَّ أنَّهَا لِلأسَفِ تَجَاوزَتْ حُدُودَهَا حَتَّى اتَّسَعَتْ لَهَا قُلُوبُ بَعْضِ القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ باسْمِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، فَكَانَ الأوْلى بهَذِهِ القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ أنْ تَقُوْمَ بتَذْكِيْرِ أمْجَادِهَا الإسْلامِيَّةِ، وتَدْوِيْنِ لُغَتِهَا العَرَبِيَّةِ مِنْ شِعْرٍ فَصِيْحٍ، ونَثْرٍ صَرِيْحٍ ... ممَّا سَيَكُوْنُ رَصِيْدًا للأمَّةِ في حَمِيَّتِهَا الإسْلامِيَّةِ، لا أنْ تَكُوْنَ بُوْقًا لأعْدَاءِ الإسْلامِ، ومِعْوَلَ هَدْمٍ لوِحْدَةِ الأمَّةِ، لكِنْ مَا زَالَتِ الحَسْرَةُ تَتْبَعُهَا حَسْرَةٌ، والدَّمْعَةُ تَبْعَثُهَا دَمْعَةٌ، والآهَاتُ تُثِيرُهَا حَسَرَاتٌ، فإلى الله المُشْتَكَى!

ولْيَعْلَمْ أنْصَارُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» أنَّهُم على الإثْمِ مُتَعَاوِنُوْنَ، وعَنْ خَطَرِ هَذِهِ الفَوْضَوِيَّةِ الشِّعْرِيَّةِ غَافِلُوْنَ، اللَّهُمَّ رُحْمَاكَ، اللَّهُمَّ رُحْمَاكَ!

* * *

ولْيَعْلَمِ الجَمِيْعُ أنَّ الاتِّفَاقَ والائْتِلافَ مَقْصَدٌ شَرْعِيٌّ، وأصْلٌ عَظِيْمٌ مِنَ الأصُوْلِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا دِيْنُ الإسْلامِ، بَلْ إنَّه مِنْ آكَدِ الأصُوْلِ في هَذَا الدِّيْنِ العَظِيْمِ، إذْ يَقُوْلُ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ الله في» مَجمُوْعِ الفَتَاوَى «(22/ 359):» وهَذَا الأصْلُ العَظِيْمُ: وهُوَ الاعْتِصَامُ بحَبْلِ الله جَمِيْعًا وأنْ لا يُتَفَرَّقْ: هُوَ مِنْ أعْظَمِ أصُوْلِ الإسْلامِ، وممَّا عَظُمَتْ وَصِيَةُ الله تَعَالى بِهِ في كِتَابِهِ، وممَّا عَظَّمَ ذَمَّهُ لمَنْ تَرَكَهُ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ وغَيْرِهِم، وممَّا عَظُمَتْ بِهِ وَصِيَةُ النَّبِيِّ ?، في مَوَاطِنَ عَامَّةٍ وخَاصَّةٍ «انْتَهَى.

ولذَلِكَ أمَرَ الله تَعَالى، ورَسُوْلُه ?: بكُلِّ مَا يَحْفَظُ عَلى المُسْلِمِيْنَ جَمَاعَتَهُم وأُلْفَتَهُم، والنَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا يُضْعِفُ هَذَا الأمْرَ العَظِيْمَ ويُوَهِّنُهُ.

* * *

قَالَ تَعَالى: (إِنَمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير