تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقَالَ تَعَالى: (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم ّمِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيتِهِ لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ) (آل عمران103).

ففي هَذِهِ الآيَاتِ وغَيْرِهَا: الأمْرُ بالاجْتِمَاعِ والائْتِلافِ، والنَّهْيُ عَنِ الافْتِرَاقِ والاخْتِلافِ، وهَذَا ممَّا اسْتَفَاضَتْ بِه النُّصُوْصُ الشَّرْعِيَّةُ، ودَعَتْ إلَيْهِ مَقَاصِدُ الشَّرِيْعَةِ، ووَقَعَ عَلَيْهِ الإجْمَاعُ.

* * *

ومِنْ هُنَا؛ كَانَ الافْتِرَاقُ والاخْتِلافُ مَذْمُوْمًا شَرْعًا، فَلا دِيْنَ بِلا أُخُوَّةٍ، ولا أُخُوْةَ بِلا دِيْنٍ، كَما قَالَ تَعَالى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات10).

لأجْلِ هَذَا؛ كَانَتِ الآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ في ذَمِّ الافْتِرَاقِ والاخْتِلافِ أكْثَرَ عَدَدًا مِنْهَا في الحَثِّ على الجَمَاعَةِ، ومَا ذَاكَ إلاَّ أنَّ الجَمَاعَةَ أصْلٌ ومَقْصَدٌ شَرْعِيٌّ، أمَّا الافْتِرَاقُ والاخْتِلافُ فَأمْرٌ حَادِثٌ؛ لِذَا نَجِدُ الشَّرِيْعَةَ قَدْ أوْلَتْهُ اهْتِمامًا بَالِغًا مِنَ التَّحْذِيْرِ والتَّحْرِيْمِ.

قَالَ تَعَالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِيَن تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران105).

وقَالَ تَعَالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام153).

* * *

قَالَ تَعَالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ في شَيءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (الأنعام159).

وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبيِّ ? قَالَ:» إنَّ الله يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، أنْ تَعْبُدُوْهُ ولا تُشْرِكُوا بِه شَيْئًا، وأنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ الله جَمِيْعًا ولا تَفَرَّقُوا، وأنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ الله أمْرَكُم «رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

* * *

وعَلَيْهِ؛ كَانَ وَاجِبًا على المُسْلِمِيْنَ هَذِهِ الأيَّامَ أنْ يَتْرُكُوا كُلَّ مَا مِنْ شَأنِهِ يَزِيْدُ في فُرْقَتِهِم واخْتِلافِهِم، ولاسِيَّما التَّعَصُّبُ المَذْمُوْمُ للقَبِيْلَةِ، أو الوَطَنِ، أو النَّسَبِ، كَما يَحْرُمُ عَلَيْهِم امْتِحَانُ النَّاسِ بِها، أو المُوَالاةُ والمُعَادَاةُ لأجْلِهَا!

هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الأسْماءَ الشَّرعِيَّةَ الَّتِي يَسُوْغُ التَّسَمِّي بِها، لا يَجُوْزُ التَّعَصُّبُ لهَا، ولا امْتِحَانُ النَّاسِ بِها، ولا المُوَالاةُ والمُعَادَاةُ عَلَيْهَا، إذَا كَانَتْ تُؤدِّي إلى فُرْقَةِ المُسْلِمِيْنَ وتَبَاغُضِهِم وتَدَابُرِهِم، فَكَيْفَ والحَالَةُ هَذِهِ؛ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الأسْماءُ: أسماءً قَبَلِيَّةً أو وَطَنِيَّةً أو قَوْمِيَّةً كَما هُوَ الحَالُ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، وسَيَأتي بَيَانُ ذَلِكَ في المَحْظُوْرِ الآتي إنْ شَاءَ الله.

* * *

? المَحْظُوْرُ الخَامِسُ: إحْيَاءُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ رَفْعُ شِعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةِ: كالافْتِخَارِ بالقَبَلِيَّةِ، أو الوَطَنِيَّةِ، أو القَوْمِيَّةِ، أو العَرَبِيَّةِ، أو التَّعَلُّقِ بالنَّسَبِ والحَسَبِ، أو التَّعَلُّقِ بآثَارِ الجَاهِلِيَّةِ، كالعَصَبِيَّاتِ المَقِيْتَةِ؛ ولاسِيَّما مَا تَفْرِزُهُ مُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، أو غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فيه مُزَاحَمَةٌ للإسْلامِ.

وأعِيْذُ نَفْسِي وأنْصَارَ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ الجَاهِليِّ:

لا يَسْألُوْنَ أخَاهُم حِيْنَ يَنْدُبُهُم في النَّائِبَاتِ على مَا قَالَ بُرْهَانا

* * *

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير