? وهَاهُم أعْدَاءُ الله أنْفُسُهم يَعْتَرِفُوْنَ، ويُصَرِّحُوْنَ لبَعْضِهم بَعْضًا، ومَا تَكِنُّهُ صُدُوْرُهُم أكْبَرُ، فَدُوْنَكَ مَثَلاً ما خَطَّتْهُ أيْدِي يَهُوْدَ اللَّعِيْنَةُ في «بُرُوتُوْكُولاتِ حُكَمَاءِ صِهْيَوْنَ»؛ كَمَا مَرَّ مَعَنَا، فمِنْ ذَلِكَ قَوْلهُم: «ولِكَيْ نُبْعِدَ الجَمَاهِيْرَ مِنَ الأمَمِ الغَيْرِ اليَهُوْدِيَّةِ عَنْ أنْ تَكْشِفَ بِنَفْسِها أيَّ خَطِّ عَمَلٍ جَدِيْدٍ لَنَا سَنُلْهِيْها بأنْوَاعٍ شَتَّى مِنَ المَلاهِي، والألْعَابِ، وهَلُمَّ جَرًّا، وسُرْعَانَ مَا سَنَبْدَأ الإعْلانَ في الصُّحُفِ دَاعِيْنَ النَّاسَ إلى الدُّخُوْلِ في مُبَارَيَاتٍ شَتَّى مِنْ كُلِّ أنْوَاعِ المَشْرُوْعَاتِ: كالفَنِّ، والرِّياضَةِ، ومَا إلَيْه ... إلخ» انْتَهَى.
فَهَلُ بَعْدَ هَذا مِنْ رَجُلٍ رَشِيْدٍ؟ اللهمَّ بَلَّغْتُ اللهمَّ فَاشْهَدْ!
* * *
? المَحْذُوْرُ العَاشِرُ: غِشُّ النَّاشِئَةِ، وذَلِكَ عِنْدَمَا سُلَّطَتِ الأضْوَاءُ الإعْلامِيَّةُ على بَعْضِ الشُّعَرَاءِ؛ مِنْ خِلالِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»؛ حَتَّى صَارُوا قُدْوَةً يَقْتَدِي بِهِم شَبَابُ المُسْلِمِيْنَ؛ حَيْثُ عُلِّقَتْ صُوَرُ الشُّعَرَاءِ، وكُتِبَتْ أسْماؤهُم هُنَا وهُنَاكَ سَوَاءٌ في المَجلَّاتِ المَحَلِّيَّةِ، أو اللَّافِتَاتِ الإعْلامِيَّةِ، أو الطُرُقَاتِ العَامَّةِ ... وكَأنَّهُم: المَثَلُ الأعْلَى!
هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الشِّعْرَ في الجَاهِلِيَّةِ الأوْلى لم يَكُنْ مِنْ شَأنِ سَادَاتِ وأشْرَافِ العَرَبِ، بَلْ كَانُوا يُنَزِّهُوْنَ أنْفُسَهُم عَنِ الانْتِسَابِ إلى زُمْرَةِ الشُّعَرَاءِ، ويَصُوْنُوْنَ ألْسِنَتَهُم عَنْ صِنْعَتِهِ ووَضْعِهِ؛ اللَّهُمَّ الشَّيءُ القَلِيْلُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُم بغَيْرِ تَكَلُّفٍ وصِنَاعَةٍ ... بَلْ كَانَ الشِّعْرُ عِنْدَهُم (غَالِبًا) مَنْ شَأنِ صَعَالِيْكِ العَرَبِ.
وحَسْبُكَ أنَّ الأنْبِيَاءَ والأوْلِيَاءَ والخُلَفَاءَ والعُلَماءَ والحُكَمَاءَ كَانُوا مِنْ أبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَوْلِ الشِّعْرِ؛ فَضْلاً أنْ يَنْتَسِبُوا إلى جَمْهَرَةِ الشُّعَرَاءِ، أمَّا مَا أُثِرَ عَنْ بَعْضِهِم مِنْ إنْشَادٍ أو انْتِسَابٍ فعَلى نُدُرٍ، والحُكْمُ للغَالِبِ، هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الله تَعَالى قَدْ ذَمَّ الشُّعَرَاءَ على وَجْهِ العُمُوْمِ إلاَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وذَكَرُوا الله وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا، وقَلِيْلٌ مَا هُم، كَما قَالَ الله تَعَالى: (وَالشُعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُنَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأنَّهُمْ يَقُولُونَ ماَ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذينِ ظََلَمُوا أيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء224ـ227).
? وقَالَ الشَّافِعيُّ رَحِمَهُ الله:
فَلَوْلا الشِّعْرُ بالعُلَماءِ يُزْرِي لكُنْتُ اليَوْمَ أشْعَرَ مِنْ لَبِيْدِ
* * *
وفي الصَّحِيْحِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيْمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ ? في قَبْضِ الأمَانَةِ: «حَتَّى يُقَالُ لِلْرَّجُلِ: ما أجْلَدَه! ما أظْرَفَه! ما أعْقَلَه! ومَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيْمَانٍ» البُخَارِيُّ.
وهذا وَاقِعُ أكْثَرِ المُسْلِمِيْنَ في هذا العَصْرِ؛ يُقَالُ لِلْرَّجُلِ مِنْهُم: مَا أعْقَلَه! مَا أحْسَنَ خُلُقَه! وغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ الحَسَنَةِ، ورُبَّما كَانَ فَاسِقًا، أو مَاجِنًا؛ فَحَسْبُنَا الله ونِعْمَ الوَكِيْل!
* * *
? لِذَا كَانَ مِنَ الخَطَأ الشَّرْعِيِّ أنْ يُقَدَّمَ مَنْ أخَّرَهُ الله تَعَالَى، أو يُؤَخَّرَ مَنْ قَدَّمَهُ الله تَعَالَى، على حِسَابَاتِ مَوَازِيْنَ مَنْكُوْسَةٍ مَا أنْزَلَ الله بِها مِنْ سُلْطَانٍ!
فإذَا طُفِّفَتِ المَوَازِيْنُ، وقُلِّبَتِ الحَقَائِقُ فَلا تَسْألْ حِيْنَئِذٍ عَنْ أفْكَارِ النَّاشِئَةِ مِنْ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ الَّذِيْنَ أظْلَمَتْ بِهِم مَسَارِبُ التَّيْهِ، وعَلَتْ عَلَيْهِم غَشَاوَةُ الأبْصَارِ!
¥