فعِنْدَ ذَلِكَ؛ لا تُسَاوِمْهُم بَيْنَ عُلَمَاءِ المُسْلِمِيْنَ، وبَيْنَ شُعَرَاءِ الرَّكَاكَةِ والانْحَطَاطِ؟! فَقَدْ غَدَوْا على حَرْدٍ قَادِرِيْنَ لا يُفَرِّقُوْنَ بَيْنَ الهُدَى والضَّلالِ، وبَيْنَ الأحْيَاءِ والأمْوَاتِ؛ إنَّها نَفَثَاتُ شَرَاذِمِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»!
* * *
? المَحْذُوْرُ الحَادِي عَشَرَ: ضَيَاعُ وتَبْدِيْدُ الأوْقَاتِ.
لاشَكَّ أنَّ الدَّعْوَةَ إلى مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» تُعْتَبَرُ تَبْدِيْدًا وتَضْيِيْعًا لأوْقَاتِ الشَّبَابِ فِكْرًا، ووَقتًا، ومَالًا، وجُهْدًا؛ إذْ لا فَائِدَةَ تَحْتَهُ ولا طَائِلَ، وذَلِكَ في الوَقْتِ الَّذِي الأمَّةُ أحْوَجُ مَا تَكُوْنُ إلى شَبَابِها، وإلى النَّظَرِ إلى قَضَايَاهُمُ النَّازِلَةِ في سَاحَتِهِم، فمَرَّةً احْتِلالٌ واضْطِهَادٌ، وأخْرَى تَشْرِيْدٌ واسْتِبْدَادٌ، وثَالِثَةٌ هَوَانٌ وإذْلالٌ ... اللَّهُمَّ رُحْمَاكَ، اللَّهُمَّ عَفْوُكَ ورِضَاكَ!
* * *
إنَّ وَقْتَ الفَرَاغِ باتِّسَاعِهِ الخَطِيْرِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ لَدَى شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ الَّذِي أفْرَزَتْهُ مُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، ووَسَّعَتْ مِنْ حُدُوْدِه كُلَّ يَوْمٍ، أصْبَحَ خَطَرًا كَبِيْرًا، وعِبْئًا على أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ.
وفي بَيَانِ عُمْقِ مُشْكِلَةِ الفَرَاغِ، وخُطُوْرَتِه يَقُوْلُ الأسْتَاذُ مُحَمَّدُ قُطُبٍ في «مَنْهَجِ التَّرْبِيَةِ الإسْلامِيَّةِ» (2/ 159): «إنَّ شُغْلَ أوْقَاتِ الفَرَاغِ لَهُو مُشْكِلَةٌ مِنْ أسْوَءِ المَشَاكِلِ في الجَاهِلِيَّةِ، وفي جَاهِلِيَّةِ القَرْنِ العِشْرِيْنَ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، ومَا الخَمْرُ والمَيْسِرُ، والمُخَدَّرَاتُ، و «حَانَاتُ» الرَّقْصِ، والمُجُوْنِ، وانْحِرَافُ الشَّبَابِ، وجُنُوْحُه إلى الجَرِيْمَةِ، وإلى الشُّذُوْذِ ... إلخ.
مَا كُلُّ ذَلِكَ إلاَّ صَدًى لِمُشْكِلَةِ الوَقْتِ الفَائِضِ الَّذِي لا يَعْرِفُوْنَ لَه مُتَصَرَّفًا إلاَّ هَذَا السُّوْءِ ... والفَرَاغُ في الجَاهِلِيَّةِ الحَدِيْثَةِ لَيْسَ في حَقِيْقَتِه فَرَاغَ الوَقْتِ؛ ولَكِنَّه فَرَاغُ النَّفْسِ، فَرَاغُ القَلْبِ، فَرَاغُ الرُّوْحِ، فَرَاغُ القِيَمِ والمَبَادِئ العُلْيَا، فَرَاغُ الأهْدَافِ الجَادَّةِ الَّتِي تَشْغَلُ الإنْسَانَ حِيْنَ يَكُوْنَ على صُوْرَتِه الرَّبَّانِيَّةِ «في أحْسَنِ تَقْوِيٍمٍ» انْتَهَى.
* * *
? لِذَا حَرِصَ الإسْلامُ على تَنْظِيْمِ الوَقْتِ الَّذِي هُوَ حَيَاتُنا الدُّنْيا؛ فَقَدْ جَعَلَ جُزْءًا مِنْه للعَمَلِ، وجُزْءًا للعِبَادَةِ، وجُزْءًا للمَصَالِحِ العَامَّةِ، كَمَا جَعَلَ جُزْءًا آخَرَ للرَّاحَةِ؛ فَقَالَ الله تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا اللَّيلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (النبأ10 - 11).
وقَالَ تَعَالَى: (وَالعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَواصَوا بِالحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ الله عَنْهُما: «العَصْرُ هُوَ الدَّهْرُ» (): أيْ: الزَّمَنُ.
فأقْسَمَ الله تَعَالى بالعَصْرِ ـ الَّذِي هُوَ الزَّمَنُ ـ لِمَا فيه مِنَ الأعَاجِيْبِ؛ لأنَّه تَحْصُلُ فيه السَّرَّاءُ والضَّرَّاءُ، والصِّحَّةُ والسَّقَمُ، والغِنَى والفَقْرُ؛ ولأنَّ العُمُرَ لا يُقَوَّمُ بِشَيْءٍ نَفَاسَةً وغَلاءً.
وقد أرْشَدَنا ? إلى أهَمِيَّةِ هَذِه النِّعْمَةِ، وقِيْمَتِها بِقَوْلِه: «نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فيهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ، والفَرَاغُ» البُخَاريُّ.
* * *
¥