وفَوْقَ ذَلِكَ أو يَزِيْدُ؛ مَا تَنْشُرُهُ الصَّحَافَةُ مِنْ قَوَائِمِ غِيْبَةٍ سَائِرَةٍ؛ ومَنْ أرَادَ حَقِيْقَةَ ذَلِكَ فَعَلَيْه أنْ يُلْقِيَ نَظْرَةً سَرِيْعَةً إلى إحْدَى الجَرَائِدِ، والصُّحُفِ المَحَلِّيَّةِ؛ ليَرَى العَجَبَ العُجَابَ: فالغِيْبَةُ طَافِحَةٌ بَيْنَ سُطُوْرِها؛ بَلْ تَرَاها ضِمْنَ عُنْوَانٍ كَبِيْرٍ في أوَّلِ الصَّفَحَاتِ، وكَذَا مَا تَبُثُّه القَنَوَاتُ المَسْمُوْعَةُ، والمَرْئِيَّةُ: فالغِيْبَةُ تُشَمُّ رَائِحَتُها عَنْ بُعْدٍ، عَافَنَا الله!
* * *
? المَحْظُورُ الرَّابِعَ عَشَرَ: وُجُوْدُ السُّخْرِيَّةِ والاسْتِهْزَاءِ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن».
قَالَ تَعَالَى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ، وَمَن لمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات11)، وقَدْ قَامَ الإجْمَاعُ على تَحْرِيْمِ السُّخْرِيَةِ كَمَا ذَكَرَه كَثِيْرٌ مِنْ أهْلِ العِلْمِ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ في قَوْلِه تَعَالَى: (وَيَقُولُونَ يَوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إلاَّ أَحْصَاهَا) (الكهف49)، الصَّغِيْرَةُ: التَّبَسُّمُ، والكَبِيْرَةُ: الضَّحِكُ بِحَالَةِ الاسْتِهْزَاءِ، وقَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ الله في تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (بِئسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ) (الحجرات11): مَنْ لَقَّبَ أخَاهُ، وسَخِرَ بِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ، والسُّخْرِيَةُ: الاسْتِحْقَارُ، والاسْتِهَانَةُ، والتَّنْبِيْهُ على العُيُوْبِ، والنَّقَائِصِ يَوْمَ يَضْحَكُ مِنْهُ، وقَدْ يَكُوْنُ بالمُحَاكَاةِ بالفِعْلِ، أو القَوْلِ، أو الإشَارَةِ، أو الإيْمَاءِ، أو الضَّحِكِ على كَلامِهِ إذا تَخَبَّطَ فيه، أو غَلِطَ، أو على صِنْعَتِه، أو قَبِيْحِ صُوْرَتِه» ().
* * *
? أمَّا إذَا سَألْتَ عَنِ السُّخْرِيَّةِ والاسْتِهْزَاءِ بَيْنَ جَمَاهِيْرِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»، فَحَدِّثْ، ولا حَرَجَ!
وكَذَا مَا تَنْشُرُه القَنَواتُ مِنْ لِقَاءاتٍ، ومُقَابَلاتٍ تَعُجُّ بالسُّخْريَاتِ، والاسْتِهْزَاءاتِ ضِمْنَ صَرِيحِ العِبَارَاتِ، أو تَلْمِيحِ الإشَارَاتِ، أو ما تَتَنَاقَلَهُ الصَّحَافَةُ اليَوْمِيَّةُ مِنْ عِبَارَاتٍ، وكَلِمَاتٍ يَتَرَاشَقُ بِهَا أنْصَارُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» صَبَاحَ مَسَاءَ مَا بَيْنَ مُهَاجَمَةٍ خَرْقَاءَ، أو سُخْرِيَةٍ حَمْقَاءَ، أو اسْتِهْزَاءٍ مَمْقُوتٍ!
* * *
? المَحْظُورُ الخَامِسَ عَشَرَ: وُجُوْدُ التَّبَخْتُرِ والخُيَلاءِ والعُجْبِ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن».
قَالَ تَعَالَى: (وَلا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذَلِكَ سَيُّئُه عِندِ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) (الإسراء37 - 38)، والمَرَحُ في هَذِه الآيَةِ هُوَ: التَّبَخْتُرُ.
فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ ? أنَّه قَالَ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» مُسْلِمٌ، وقَوْلُه ?: «لا يَنْظُرُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ إلى مَنْ جَرَّ ثَوْبَه بَطَرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْه، وقَوْلُه ?: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُه، مُرَجَّلَةً رَأسُه، يَخْتَالُ في مَشْيَتِه إذْ خَسَفَ الله بِه، فَهُو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْه، ويَتَجَلْجَلُ: أيْ يَغُوْصُ، ويَنْزِلُ فيها إلى يَوْمِ القِيَامَةِ.
وقَوْلُه ?: «يَقُوْلُ الله تَعَالَى: الكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، والعَظَمَةُ إزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُما ألْقَيْتُه في جَهَنَّمَ» مُسْلِمٌ، وقَوْلُه ?: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ في نَفْسِهِ، ويَخْتَالُ في مَشْيَتِه إلاَّ لَقِيَ الله تَعَالَى وهُوَ عَلَيْه غَضْبَانُ» () أحْمَدُ.
* * *
¥