[عمر بن الخطاب ونظرية البطلان]
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[30 - 04 - 08, 12:07 ص]ـ
عمر بن الخطاب، ونظرية البطلان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:
فإنه من المعروف في الأنظمة الجنائية ما يسمى بِـ (نظرية البطلان)، وهذه النظرية قائمة على أنَّ الإجراء الذي يمنع منه الشرع أو النظام باطل، وهذا البطلان لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يمكن تصحيحه، فيصحح وتستمر الدعوى.
الحال الثانية: أن لا يمكن تصحيحه؛ فهنا يبطل هذا الإجراء وما ينبني عليه حتى إن الدعوى قد تسقط بالكلية.
ويقسمه بعضهم ببطلانٍ كلي وجزئي ... إلخ.
وليس هذا مقصودي من الحديث عن (نظرية البطلان)، وإنما مقصودي النظر في هل لها أصلٌ في الشريعة الإسلامية أم لا؟
فإنه من المعلوم أنَّ نظام الإجراءات السعودي قد أخذ بهذه النظرية، حيث جاء في الفصل التاسع من الباب السادس: (أوجه البطلان).
ثم ذكر في المواد (188 – 192) ما يلي:
المادة الثامنة والثمانون بعد المائة:
كُل إجراء مُخالِف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظِمة المُستمدةُ مِنها، يكون باطِلاً.
المادة التاسعة والثمانون بعد المائة:
إذا كان البُطلان راجِعاً إلى عدم مُراعاة الأنظِمة المُتعلِقة بولاية المحكمة من حيث تشكيلِها أو اختِصاصِها بنظر الدعوى، فيتمسكُ بِه في أيِّ حال كانت عليها الدعوى، وتقضي بِه المحكمة ولو بغير طلب.
المادة التسعون بعد المائة:
في غير ما نُص عليه في المادة التاسعة والثمانين بعد المائة، إذا كان البُطلان راجِعاً إلى عيب في الإجراء يُمكِن تصحيحُه، فعلى المحكمة أن تُصحِّحُه. وإن كان راجِعاً إلى عيب لا يُمكِن تصحيحُه، فتُحكُم ببُطلانِه.
المادة الحادية والتسعون بعد المائة:
لا يترتب على بُطلان الإجراء بُطلان الإجراءات السابِقة عليه ولا الإجراءات اللاحِقة لهُ إذا لم تكُن مبنية عليه.
المادة الثانية والتسعون بعد المائة:
إذا وجدت المحكمة أن في الدعوى عيباً جوهرياً لا يُمكِن، تصحيحُه، فعليها أن تُصدِر حُكماً بعدم سماع هذه الدعوى. ولا يمنع هذا الحُكم من إعادة رفعِها إذا توافرت الشروط النِظامية.
ومن هذا المنطلق رجعتُ إلى الأدلة من الكتاب والسنة وعمل الخلفاء الراشدين فكان أقرب ما يمكن أن يستدل به على هذه النظرية هو ما حدث في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في قصتين سأذكرها وأتكلم على أسانيدها – بإذن الله –.
القصة الأولى: قصة عمر بن الخطاب مع أبي محجن الثقفي.
وهذه القصة أخرجها عبد الرزاق في مصنفه (18944) عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة: أنَّ عمر حُدِّث أنَّ أبا محجنٍ الثقفي يشرب الخمر في بيته هو وأصحابٌ له، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل. فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إنَّ هذا لا يحل لك! قد نهى الله عن التجسس. فقال عمر: ما يقول هذا؟! فقال له زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين! هذا من التجسس. قال: فخرج عمر وتركه.
وإسناد هذه القصة ضعيف جداً؛ فإنَّ أبا قلابة الجرمي وإنْ كانَ ثقةً فاضلاً إلا أنه كثيرُ الإرسال، وهو لم يدرك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –، وهو هنا يروي قصة حضرها في عهد عمر؛ فكيف يرويها؟!
القصة الثانية: قصة عمر بن الخطاب مع عبد الرحمن بن عوف.
فقد رواها الزهري، عن زرارة بن مصعب، عن المسور بن مخرمة، عن عبد الرحمن بن عوف؛ ورواه عن الزهري ثلاثة هم:
1 – معمر؛ أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (18943) – وعنه الحاكم في المستدرك (8136)، والبيهقي في السنن الكبرى (17403)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 18) –.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
2 – صالح بن كيسان؛ أخرجه ابن حبان في الثقات (4/ 267)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 18).
3 – الزبيدي؛ أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1806).
ولفظ عبد الرزاق: عن عبد الرحمن بن عوف أنه حرس ليلة مع عمر بن الخطاب، فبينا هم يمشون شَبَّ لهم سراجٌ في بيتٍ، فانطلقوا يؤمونه، حتى إذا دنوا منه إذا بابٌ مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط. فقال عمر – وأخذ بيد عبد الرحمن –: أتدري بيت مَنْ هذا؟! قال: قلت: لا! قال: هو ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآنَ شُرْبٌ؛ فما ترى؟! قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهانا الله عنه، نهانا الله فقال: " ولا تجسسوا " وقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر وتركهم.
وإسناد هذه القصة صحيح.
والسؤال الذي بقي الآن هو: هل الاستناد على هذه القصة كافٍ في صحة نظرية البطلان؟!