تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومع كثرة هؤلاء المتسلقين تكشَّف لكثير من أطياف المجتمع عوارهم، وقد كان من قبل مستورا، فأصبحوا مثار السخرية والتندر حتى ممن لا يحمل الشهادة الابتدائية، حتى أولئك الذين يجاملونهم من أقاربهم وأصحابهم ومرؤسيهم صاروا يدركون ما هم فيه تأزم حين ينسى أحدهم أن ينادي حضرته بلقبه المبجل.

ومؤخراً تنبهت لهم بعض الجهات الحكومية، ففي خطوة جريئة صارمة بادرت وزارة التربية والتعليم إلى تعرية المنتفخين أوراماً من منسوبيها حاملي الألقاب العلمية الزائفة، فحذرتهم من تصدير أسمائهم بأي لقب علمي غير معترف به من وزارة التعليم العالي، وإلا فسيكونون عرضة للمساءلة النظامية.

جاء ذلك في تعاميم ميمون نشرته الوزارة عن وزيرها الحصيف في موقعها الرسمي بتاريخ 21 - 5 - 1429هـ.

إنه تعميم مسؤول واع يسهم في كشف القناع عن السوق السوداء حامية الوطيس التي يروج لها سماسرتها هنا وهناك، مجتذبين إليهم ضحاياها من طلاب الزيف، من مبتاعي الوهم بجهد وهمي، ومبالغ طائلة، مقابل ورقة قد لا تساوي ما عليها من مداد.

أيها السادة، ليس خطر أولئك المخدوعين كامناً في أنفسهم ونفسياتهم فحسب، لو كان كذلك لما حذرت منهم الوزارة، ولكانت اكتفت بعرضهم على الجهات الصحية المختصة، ولكنه خطر يمس المجتمع؛ ويوهن من قوى مسيرته العلمية الصحيحة.

ما بالكم ببعضهم وقد تصدر في وسائل الإعلام المختلفة، وراح يشرق ويغرب متوسلاً الجماهير بلقبه الزائف، ويغرر بأغرارهم، وليس في جرابه أكثر مما في جراب جدته التي لم تسهم في زرع الثقة في نفسه.

ومع أمثال هذه التحذيرات والتنبيهات التي سبقت إليها وزارة التعليم العالي ظل الباب مفتوحاً على مصراعيه، وسيظل كذلك ما لم تتخذ معه التدابير الرسمية الحاسمة التي تحمي جناب العلم، وتوقف مد ابتذال الشهادات العليا، وتحفظ حقوق المثابرين الذين بذلوا في سبيل تحصيلها من أعمارهم وجهدهم ما لا يستوعبه أولئك المتطفلون، وأن يُفتح المجال للجادين من الراغبين فيها عبر قنوات مشروعة ميسرة يجتازها المؤهلون ممن لم تسعفهم الظروف لتحقيق معدلات جامعية تتيح لهم الالتحاق بالبرامج المعتمدة للدراسات العليا.

إن التغاضي عن هذه الظاهرة تفقد الشهادات العليا قيمتها، وتساعد على جعلها سلعة رخيصة يتهافت عليها كل من هب ودب ممن يثقله الشعور بالنقض ليتدكتر هو أيضا، فلا فرق بينه وبين الدكاترة الحقيقيين في منظوره المتهافت، إن يديه كأيديهم، وله قدمان كأقدامهم، وفي أعلى جسده جمجمة تبدو من الظاهر كجماجمهم، ولا يختلفون عنه في شيء إلا أن الحظوظ والفرص حالفتهم، ولذا بدا له أن يبرهن على تميزه واقتدار بما يمتلك من مال، فبدلاً من أن يعوِّض عن نقص بشراء رقم هاتف مميز أو لوحة مميزة ترفعان مكانته في أنظار أشباهه، ثم يفاجأ بإضافة صفر يفسد عليه نكهة التميز، ويفقده قيمة ما دفع، صار من الأنسب له والأكثر إجلالاً وهيبة أن يشتري شهادة له وللزمن، والبائعون منتشرون محلياً وخارجياً، ولا يطلبون منه إلا اسمه الرباعي، واختيار التخصص الذي يريد، وجهداً وهمياً يُنجز في أيام، ومبلغاً من المال هو في كل حال أقل من المبالغ المدفوعة في المميَّز من أرقام الهواتف واللوحات.

صديق لي يعمل في قطاع خاص، ومؤهله ثانوي، وأنعم به وبمؤهله متى اعتد بنفسه وبمؤهله الحاصل، ذكر لي هذا الصديق أن أحد سماسرة الشهادات عرض عليه في أول الإجازة الصيفية المنصرمة أن يلتحق بجامعتهم الموقرة الكائنة في إحدى شقق الرياض، وضمن له السماسرة الشهم أن يساعده في الحصول على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه دفعة واحدة وفي التخصص الذي يريده، وأنه لن تنتهي الإجازة إلا والناس ينادونه: بحضرة الدكتور، حينئذ فكر صديقي بالعرض المغري، وعرض الأمر على رؤسائه في العمل، وسألهم عن المردود الوظيفي لتلك الشهادات، ولأنهم عمليون أخبروه أنه قد يُستغنى عنه بشكل أو آخر متى استرخص نفسه بهذه الحيلة الدنيئة.

ومما يجدر ذكره في هذا السياق أمر مخجل وقفت عليه قبل عامين في دولة يُباع فيها كل شيء، فهناك في معرض الكتاب عرض علي سمسار بضاعته، وأبرز لي بياناً بالشهادات العليا التي تمنحها جامعات من ورق في شقق، وحين استفضت معه حاول أن يؤكد لي أنها شهادات معتمدة ممهورة بأجمل التواقيع والأختام، ولن يستغرق حصولي عليها إلا أياماً قليلة مقابل 10.000 دولار، وبحث سيعينني عليه فطاحل المتخصصين، وإن لم يكن لدي متسع من الوقت فثمة فطاحل عاطلون يسرهم أن ينجزوا البحث كله مقابل 5000 دولار إضافية، ولما عابثته وقلت له: أريد شهادة دكتوراه في الطب، ولم تكن ضمن التخصصات المعروضة، قال: لدينا كل التخصصات، ولكنني أنصحك أن تختار تخصصاً لا يسبب لك المشاكل، ولا يسألك عنه أحد، ولدينا أسماء تخصصات براقة مبهمة لا يعيها حتى أولئك الفطاحل، ومع ذلك فسأترك اختيار التخصص لضميرك!!!

هل قال ضمير؟؟؟

حاصل على الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي

بعد كدح دام ثمانية أعوام

http://tr-te.com/ter/articles.php?action=show&id=198

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير