تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودليل الثاني: قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56.

وقد ضلَّ في هذا الباب أكثر الخلق، فعرفوا أن الذي خلقهم هو الله وحده لا شريك له، وأنه وحده سبحانه تفرَّد بخلقهم، وخلق السماء، والأرض، والجبال، والأشجار، وغيرها من المخلوقات، ومع هذا الإقرار، صرفوا العبادة لغير الله، وهذا هو معنى قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف: 106.

قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "من إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون".

قال عكرمة: "تسألهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، فذاك إيمانهم بالله وهم يعبدون غيره"

وقال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} الأنعام: 1

قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "يُريد، عدلوا بي من خلقي الحجارة والأصنام، بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي".

ويكثر في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بأن الله وحده هو الخالق، الرازق، المنعم، المتصرف، على وجوب إفراده وحده بالعبادة وإخلاص الدين له، قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} العنكبوت: 61 فلما ذكر إقرارهم بهذا، وبَّخَهم منكراً عليهم شركهم، بقوله: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، وقال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} لقمان: 25، فلما ذكر اعترافهم بهذا وبَّخهُم منكراً عليهم شركهم، بقوله: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ} الروم:40

ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم غيره هو لا، أي: ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئاً من ذلك، من الخلق، والرَّزْق، والإحياء، والإماتة، فلما تعيَّن هذا الاعتراف وبَّخهم -سبحانه وتعالى- بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقال تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} المؤمنون:84 - 89

وقال تعالى: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} النمل: 59 - 60.

وهنا يعجب العاقل أشد العجب، من عقول المشركين، كيف عدلوا من خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة، في السموات ولا في الأرض، قال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} الأعراف: 191 - 200

وكيف سوَّوا التراب برب الأرباب؟

وكيف سوّوا العبيد بمالك الرقاب؟

وكيف سوّوا عباداً أمثالهم بالرب العظيم، والخالق الجليل سبحانه؟

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأعراف: 194

وتعالى الرب –عز وجل- عما يصفه هؤلاء وسبحانه عما يشركون.

وبهذا تنتهي هذه الحلقة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير