فطالع كتابه الكواكب الدرية في الرد على الروافض والإمامية تجد العجب , أو الرد على اليهود والنصارى وأهل البدع يداخلك الطرب , ومواعظه تجد فيها حكمة لقمان , أو فتاويه تجد عندها أبا حنيفة النعمان , أو زهده وورعه تجد إبراهيم بن أدهم وأحمد بن حنبل في الزهد والعرفان
ولقد كان بحرا يتقاذف موجه بالدرر , وعقدا في جيد الدهر يتلألأ بالغرر , فرائد فوائده تخجل جواهر العقود , وجواهر فرائده تزري بقلائد العقيان والنقود , وكانت الأقلام خداما لخواطره , والأسماع نظاما لجواهره , والطروس سواحل لزواخره , وأسواق الفضل والآداب بوجوده قائمة , وتحقيق العلوم في أفنانه دائمة
وكانت طلعته الباهرة مطلعا لشموس السعادة , وغرته الزاهرة وسما لبلوغ السيادة , وأبوابه موردا لأصناف الكرامات , واعتابه مصدرا لأنواع المعالي والكمالات
ولقد كان الزهد شعاره والورع وقاره والذكر أنيسه والفكر جليسه وظهرت له خفايا الأسرار ولاحت له خبايا الحقائق من وراء الأستار وكشف العطاء عن حقائق الاخرة وهو في هذه الدار وتفجرت ينابيع الحكم على لسانه وفاضت عيون الحقائق من خلال جنانه وأنشأت أهل الوجود عباراته وأنعشت أرواح السامعين إشاراته
هذا وإني وإن أعمل صارم البراعة ومداها وأبلغ عن مسالك البراعة مداها وألمح من الإبداع غواني المغاني وأعمي بطيات الأقلام ظباء المعاني ورمت تعديد بروج نجوم فضائله وتحديد تخوم مدرج فواضله التي يتنافس فيها الأماثل وتتباهى لتناهت الأيام وهي لا تتناهى ولعرفت أن تعبير لساني قصور واعترفت بأني من جنان مدائحه في قصور
وأما ما قيل من أن الشيخ منع من زيارة القبور فحاشا لله ومعاذ الله هذه كتبه وفتاويه ومناسكه مصرحة باستحباب زيارة قبور المسلمين فضلا عن الأنبياء عليهم السلام بل صرح بجواز زيارة قبور ا لكفار
نعم حكى خلافا للعلماء فيما إذا سافر لمجرد زيارة القبور
فمنهم من قال بالجواز وهو مذهب الجمهور
ومنهم من قال بالكراهة
ومنهم من قال بالتحريم واختار هذا القول ابن بطة وابن عقيل إماما الحنبلية والإمام أبو محمد الجويني إمام الشافعية وهو اختيار القاضي عياض في إكماله وهو إمام المالكية ومال إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية
والحجة في ذلك الحديث الصحيح وهو قوله عليه السلام لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث
وقد انتصب للرد على السبكي ابن عبد الهادي في مجلد كبير سماه الصارم المنكي في الرد على السبكي
وأما مسألة الطلاق فإن ابن تيمية رحمه الله يقول إن الطلاق الثلاث دفعة واحدة لا يقع إلا واحدة وهو لم ينفرد بهذا القول بل هو يروى عن علي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس وقال به عطاء وطاوس وعمرو بن دينار وسعيد بن جبير وأبو الشعثاء ومحمد بن إسحاق والحجاج بن أرطاة وقال به شيوخ من قرطبة وجماعة منهم محمد بن عبد السلام الخشني فقيه عصره وأصبغ بن الحباب واختار هذا الإمام أبو حيان في تفسيره النهر والإمام ابن القيم وتكلم على ذلك في نحو أربعين ورقة
فلينكر على هؤلاء من ينكر على ابن تيمية لا سيما وقد صرح العلماء إن مذهب الأئمة قاطبة أنه لا يجوز للمجتهد أن يقلد بل يجب عليه العمل بما رآه اجتهاده وابن تيمية كان مجتهدا بشهادة علماء عصره فلا وجه للإنكار عليه إلا مجرد العصبية وحمية الجاهلية
وما أحسن قول ابن فضل الله العمري في مرثيته المتقدمة
عليك في البحث أن تبدي غوامضه ... وما عليك إذا لم تفهم البقر
وبالجملة فهو الحبر الذي فاق بصفاته الأوائل ,والبحر المشتمل بذاته على جواهر الفضائل , وقد أناخ ابن عبد السلام ركائبه بدار السلام , عليه الرحمة والرضوان , وسحائب العفو والغفران , وخواطر على مر الأزمان ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) اهـ
ـ[أبو الحارث الحنبلي]ــــــــ[05 - 05 - 08, 02:56 ص]ـ
لله أنت شيخنا الفاضل " المقدادي " ..
والله إني بين إقدام وإحجام لإتمام هذا الموضوع.
وما دفعني له إلا شفقتي على أحبتي الحنابلة المبتدئين ممن قد يقف على طريقه بعض المنتسبين للمذهب، وهم يسودون سيرة شيخ الإسلام!
كما يفعله بعض من ضيّع " الأصلين "