تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اختلف العلماء فى معنى الضرر والضرار فى الحديث هل هما بمعنى واحد أم بينهما فرق والمشهور أن بينهما فرقاً، وقيل فى معنى كل منهما أقوال ولعل أرجحها أن الضرر أن يلحق أذى بمن لم يؤذه والضرار أن يلحق أذى بمن قد آذاه على وجه غير مشروع وكلا المعنيين ممنوع وغير جائز فى شرع الله عز وجل، وواضح لكل ذى عقل ينظر فى شرع الله عز وجل أن الله تعالى أباح للعباد كل ما فيه سلامة عقولهم وصحة أبدانهم ولم يحظر عليهم إلا ما فيه الإخلال بحواسهم وقدراتهم وملكاتهم والإفساد و الضرر بصحهم وأبدانهم، قال الله تعالى: " قل من حرّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين ءامنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " لا شك أن تعاطى القات يسبب أضراراً جسيمة يسبب أضراراً نفسية وعقلية وبدنية ومالية واجتماعية ويؤدى إلى الإضرار بالزوجة والأولاد، والأقرباء حيث يضيع متعاطيه حقوقهم ولا يهتم بشؤنهم ويقدم شراءه على ضروريات حياتهم ومصالحهم، وقد مرت أضراره مفصَّلة فى موضعها ولا حاجة هنا لإعادتها، ويحرم أكل كل ما يضر بالإنسان أخذاً من عموم النصوص.

قال أبومحمد بن حزم رحمه الله تعا لي: وأما أكل كل ما أضر فهوحرام لقول النبي صلي الله عليه وآله وسلم: "إ ن الله كتب الإحسا ن علي كل شىء " فمن أضر بنفسه أو بغيره لم يحسن ومن لم يحسن فقد خا لف كتاب اي كتا بة الله الإ حسا ن علي كل شيء، وقال في مو ضع آخر: ولايحل أكل السم القاتل ببطء أو بتعجيل ولا ما يؤذي من الأطعمة ولا الإكثار من طعا م يمر ض الإ كثا ر منه لقو ل الله تعا لي: " ولا تقتلو انفسكم.

ومن أجود العبا رات الفقهية في تحر يم تناول المضرات عبا رة الإمام النووي رحمه الله تعا لي إذ يقول في رو ضته: كل ما أضرأكله كالزجاج والحجر والسم يحرم أكله وكل طاهر لا ضررفي أكله يحل أكله إلاالمستقذرات الطاهرات كالمني والمخا ط ونحوهما، فإ نها حرام علي الصحيح.

ويقول الشيخ محمد بن أحمد الشنقيطي رحمه الله تعا لي: اتفق أهل المذ اهب الأربعة علي إبا حة ما تنبته الأرض إلا إذا كا ن مسموما أو مضرا بالجسم أو مذهبا للعقل أو مخدرا فيحرم.

وينبغي لنا هنا أن نشير إلي أن الضرر التدريجي كالضرر الدفعي الفوري، كلا هما مقتض للتحريم؛ ولهذا كان تناول السم السريع التاْثير كالسم البطيىء التاْثير في التحريم، وقد سئل مفتي الد يار المصر ية الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله تعا لي عن حكم الشر ع في المواد المخد رة، واشتمل السؤال علي تعا طي المخدرات وغيره، فأجاب قائلا: إنه لايشك شاك ولا ير تاب مر تاب في أن تعا طي هذه المواد حرام؛ لاْنها تؤ دي إلي مضار جسمية ومفاسد كثيرة فهي تفسد العقل وتفتك بالبد ن إلي غير ذلك من المضار والمفا سد، فلا يمكن أن تاْذن الشر يعة بتعا طيها مع تحر يمها لما هو أقل منها مفسدة وأخف ضررًا.

وكيف تبيح الشريعة الإسلامية القات الذى حاق ضرره الجسيم بالأمة أفرادا وجماعات دينياً وأخلاقياً وصحياً ومالياً مع أن مبنى الشريعة الإسلامية على جلب المصالح الخالصة أو الراجحة وعلى درء المفاسد والمضار كذلك، وكيف يحرم الله العليم الحكيم الخمر من العنب مثلاً كثيرها وقليلها لما فيها من المفسدة ولأن قليلها داع إلى كثيرها وذريعة إليه ويبيح من المخدرات ما فيه المفسدة ويزيد عليها بما هو أعظم منها وأكثر ضررا للبدن والعقل والدين والخلق والمزاج؟! هذا لا يقوله إلا رجل يتعامى عن مقاصد الشريعة، والأمر فى ذلك ظاهر جلى. ومعلوم أن من مقاصد الشريعة حفظ الأمور الضرورية للناس فى حياتهم وهى التى لا يمكن الاستغناء عنها فى مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج، وبفقدها يختل نظام الحياة وتعم الفوضى وينتشر الفساد ويفوت النعيم الأبدى فى الآخرة.

وحفظها يكون بأمرين أحدهما: مايقيم أركانها ويثبت قواعدها، والثانى: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وهذه الأمور الضرورية خمسة: هى الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، فعلى هذه الأمور الخمسة يقوم أمر الدين والدنيا، وبالمحافظة عليها يستقيم أمر الأفراد ونظام الجماعات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير