تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فقد ورد علينا سؤال عن حل أكل القات وتحريمه، وهو الشجر الذي يزرع في أرض اليمن ويؤكل على الصفة المعروفة عندهم، وما فيه من المنافع والمضار؛ نظرا لما يرى السائل من اضطراب أقوال الناس فيه. وحيث إن هذه المسألة حادثة الوقوع، والحكم عليها يتوقف على معرفة خواص هذه الشجرة وما فيها من المنافع والمضار، وأيهما يغلب عليه فيحكم عليها بموجبه، وحيث إننا لا نعرف حقيقتها لعدم وجودها لدينا؛ فقد تتبعنا ما أمكننا العثور عليه من كلام العلماء فيها، فظهر لنا بعد مزيد من البحث والتحري وسؤال من يعتد بقولهم من الثقات أن المتعين فيها المنع من تعاطي زراعتها وتوريدها واستعمالها؛ لما اشتملت عليه من المفاسد والمضار في العقول والأديان والأبدان، ولما فيها من إضاعة المال، وافتتان الناس بها، ولما اشتملت عليه من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فهي شر، ووسيلة لعدة شرور، والوسائل لها أحكام الغايات. وقد ثبت ضررها وتفتيرها وتخديرها، بل وإسكارها، ولا التفات لقول من نفى ذلك، فإن المثبت مقدم على النافي، وقياسا لها على الحشيشة المحرمة؛ لاجتماعهما في كثير من الصفات، وليس بينهما تفريق عند أهل التحقيق.

والدليل على ما قلناه من كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام العلماء ما يأتي:

قال الله تعالى: سورة النحل الآية 89 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ وفي الحديث: مسند أحمد بن حنبل (5/ 153). لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا فيه علما فنصوص الكتاب والسنة كفيلة بتبيان ما يحتاجه الناس في أمور دينهم ودنياهم.

ومن حكمة الله ورحمته أنه أحل لنا الطيبات وكل ما منفعته خالصة أو راجحة، وحرم علينا الخبائث وكل ما كانت مفسدته خالصة أو راجحة، قال الله تعالى: سورة البقرة الآية 219 يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا فحرم تعالى الخمر والميسر مع ما فيهما من المنافع، وقال تعالى: سورة المائدة الآية 90 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ سورة المائدة الآية 91 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ سورة المائدة

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في (مسنده)، وأبو داود في (سننه) بسند صحيح، عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سنن أبو داود الأشربة (3686) ,مسند أحمد بن حنبل (6/ 309). نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل مسكر ومفتر قال العلماء: (المفتر) كل ما يدرك الفتور في البدن، والخدر في الأطراف. وهذا القات لو فرضنا أن فيه بعض النفع، فإن ما فيه من المضار والمفاسد المتحققة تربو وتزيد على ما فيه من النفع أضعافا مضاعفة.

ولهذا جزم بتحريمه جملة من العلماء الذين عرفوا خواصه، واستدل كل منهم على تحريمه بما ظهر له. فمن جملة من نهى عنه وحذر عنه وأفتى بمنعه الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي، وقاسه على الحشيشة وجوزة الطيب، وعد استعمال ذلك من كبائر الذنوب كما ذكره في الكبيرة السبعين بعد المائة في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) في كتاب الأطعمة. ثم إنه صنف فيه رسالة مستقلة سماها: (تحذير الثقات من استعمال الكفتة والقات) وقال: إنه ورد عليه بمكة المشرفة ثلاث رسائل من علماء صنعاء وزبيد: اثنتان بتحريمه، وواحدة بتحليله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير